ما زالت آثار العدوان الصهيوني الذي استمر أحد عشر يومًا على قطاع غزّة في شهر مايو/ أيّار تزيد من معاناة القطاع المُحاصّر منذ أكثر من 14 عاماً، هذا العدوان الذي أدّى لاستشهاد أكثر من 260 فلسطينياً بينهم 66 طفلاً، أدّى في ذات الوقت لخسائر اقتصاديّة ضخمة قدّرها تقريرٌ أممي صادر عن البنك الدولي بنحو 570 مليون دولار.
في ظل هذه المعاناة المُستمرة، يعيش اللاجئ الفلسطيني في القطاع معاناةً أشد وطأة، إذ طال العدوان الأخير كافة المُخيّمات الثمانية في القطاع، بل وارتكب الاحتلال مجازر مروّعة داخل بعضها، كل هذا مع استمرار أزمة "كورونا" واشتداد الحصار وزيادة مُعدّلات البطالة والفقر، وبعد أن حُرم اللاجئ من ممارسة طقوسه والفرح خلال عيد الفطر -جاء خلال العدوان- يبدو أنّه سيُحرم من ممارستها أيضاً في عيد الأضحى الذي سيهلّ يوم غد الثلاثاء، ولكن هذه المرّة بسبب الحالة الاقتصاديّة الخانقة التي زاد من وتيرتها عدوان الاحتلال.
وضع البيّاعين في السوق بيبكّي
تقول الناشطة آلاء الدرّة من مُخيّم البريج لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": إنّ الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة في قطاع غزّة سيئّة بشكلٍ غير مسبوق، وخاصّة في مُخيّمات اللاجئين بعد انتهاء العدوان الصهيوني، واليوم مع اقتراب عيد الأضحى يريد الآباء كسوة أبنائِهم وشراء كل مستلزمات العيد ولكن من أين؟ لا يوجد شيكل واحد في جيوب الناس بسبب هذه الظروف.
وأضافت الدرّة أنّهّا كانت في أحد الأسواق قبل أيّام ورأت أوضاع الباعة التي يُرثى لها، تقول: أقسم بالله وضع البيّاعين في السوق بيبكّي، وعشان المعابر مغلقة بتلاقي القطعة -اكسسوار- اللي كان سعرها 5 شيكل صارت بـ10 شيكل، مين اليوم بيشتري بهاي الأسعار؟!، للأسف يأتي هذا العيد وظروف اللاجئين سيئة جداً جداً.
وختمت الدرّة حديثها بالقول: تريد الأم في المُخيّم أن تُرضي جميع أطفالها حتى في ظل ارتفاع الأسعار، ولكن هذا الواقع صعب، ولا ننسى أنّ أزمة "كورونا" ترافقت مع حرماننا من عيد الفطر بسبب القصف، والحال اليوم في عيد الأضحى لن يختلف كثيراً، الله يعين الناس وبس.
كيف سنستقبل العيد ونحن مجروحون؟
حال اللاجئ منير محمود الحلو لم يختلف كثيراً، إذ وصف لنا حال اللاجئين في مُخيّم جباليا شمال القطاع قائلاً: بكل صراحة، كيف سنستقبل العيد ونحن مجروحون، لقد فقدنا شهداء، وكان لنا جرحى في العدوان الأخير، وبجانب هذه المأساة نمر بأوضاعٍ اقتصاديّة لا يمكن وصفها، ولم تمر علينا منذ عشرات السنين، لافتاً إلى أنّ الاحتلال يريد أن ينتقم منّا في قطاع غزّة حتى بعد انتهاء العدوان من خلال التضييق وإغلاق المعابر.
يُكمل الحلو: شعبنا الفلسطيني دائماً يعيش في مأساة، ووضع اللاجئين خصوصاً صعب جداً، وإذا تجولنا في مُخيّم جباليا لن نجد أي مظاهر للعيد، لا في السوق ولا في أزقة المُخيّم كما كل عيد عندما كنّا نشاهد الأطفال يلعبون ويمرحون في السوق، وترى محلات الحلويات ممتلئة، ومحلات الألعاب، ومحلات الملابس.
وأشار الحلو إلى أنّ المُخيّم ينقلب رأساً على عقب قبل بداية كل عيد بحوالي 15 يوماً، فتجد الأسواق ممتلئة، وأحبال الزينة تملأ المُخيّم، ويسهر الجيران إلى ما بعد منتصف الليل في الشوارع، كل هذه المظاهر غابت تماماً لأنّ الناس مجروحة وجيوبها فارغة بمعنى الكلمة، مُؤكداً أنّ هذه الأوضاع تنعكس نفسياً على الباعة وأصحاب المحلات وسكّان المُخيّم بشكلٍ عام.
الشاب محمود دغيش، لاجئ فلسطين يعمل في محل للإكسسوارات في مُخيّم النصيرات وسط القطاع، أكَّد لموقعنا أنّ الأجواء في السوق لا تشبه أجواء العيد بالمطلق، لا سيما وأنّ المعابر مغلقة والأسعار عالية جداً وكل هذا ينعكس على الحركة الشرائيّة في السوق، مُبيناً أنّ اللاجئين قُبيل عيد الفطر قاموا بشراء ملابس العيد، ولكن لم يلبسوها بسبب العدوان.
اللاجئون في مخيم الشاطئ يتساوون اليوم في الفقر والمعاناة يذهبون إلى الأسواق ويتفرجون ومن ثم يعودون
وأوضح أنّ إغلاق المعبر أثَّر بشكلٍ مباشر على حال اللاجئين، فمثلاً عندما تُحجز البضائع على معبر كرم أبو سالم يدفع التاجر 100 دولار بدل أرضية بشكلٍ يومي طيلة فترة إغلاق المعبر، لذلك يلجأ التاجر لرفع سعر السلعة على البائع بالمفرّق في السوق، وهذا الأخير يرفع السعر على الناس، وأنا على صعيدي الشخصي كنت أشتري قطعة معينة من التاجر بثلاثة شواكل فقط وأبيعها بخمسة شواكل أو بسبعة، ولكن اليوم القطعة أصبحت من التاجر بخمسة شواكل وأكثر وتُباع بعشرة شيكل للزبون في المُخيّم.
وإلى مخيّم الشاطئ غرب مدينة غزّة، يقول المهندس نصر أحمد لموقعنا إنّ اللاجئين في مُخيّم الشاطئ يتساوون اليوم في الفقر والمعاناة، يذهبون إلى الأسواق ويتفرجون ومن ثم يعودون إلى منازلهم دون شراء ملابس جديدة للعيد، لا أحد يشتري لقلّة الأموال ولارتفاع الأسعار في استمرارٍ للمأساة داخل قطاع غزّة وخاصّة في مُخيّمات اللاجئين.
ورأى أحمد وهو رئيس اللجنة الشعبيّة في المُخيّم، أنّ اللاجئين في قطاع غزّة توقعّوا بعد انتهاء العدوان حصول انفراج اقتصاديّ وإنسانيّ ولكن كل هذا لم يحدث، وفي ظل إغلاق المصانع هناك آلاف العمّال يجلسون في منازلهم ولا يوجد لهم أي مصدر دخل، وآلاف السائقين وأصحاب البسطات، لذلك نقول أنّ عيد الأضحى سيكون صعباً على اللاجئين هذا العام.
ودعا أحمد كافة الميسورين في المُخيّم وخارجه وأصحاب الخير والمؤسّسات التي تنوي توزيع لحوم الأضاحي خلال فترة العيد ألّا ينسوا اللاجئين من هذه الأضاحي، لأن أوضاع اللاجئين مأساويّة جداً وهم بحاجة ماسّة لهذه الأضاحي مهما كانت بسيطة ليعيشوا أجواء هذا العيد المبارك.
الاحتلال يُمارس سياسة "لي الذراع"
وزارة الاقتصاد في قطاع غزّة قالت في أحدث بيانٍ لها، إنّ سلطات الاحتلال تُمارس سياسة "لي الذراع" تجاه القطاع، إذ أنّ معبر كرم أبو سالم ما زال يعمل بشكلٍ جزئي، وما دخل القطاع مقتصر فقط على بعض الشاحنات من الملابس والأقمشة، ويمنع إدخال المواد الخام ومواد البناء، مُبينةً أنّ 30% فقط نسبة ما سُمح بإدخاله إلى غزّة، مقارنةً بما كان قبل العدوان الأخير.
وفي هذا الإطار، شدّد رئيس اللجنة الشعبيّة لمُواجهة الحصار النائب جمال الخضري، على أنّ قطاع غزّة يعيش في ظروفٍ صعبة للغاية بعد العدوان وفي ظل استمرار الحصار المرير، والعالم كله اليوم يتحدّث عن الظروف الإنسانيّة الخطيرة الموجودة في غزّة، لكنّ اللاجئ الفلسطيني يعيش معاناةً أشد وأكبر كونه في حالةٍ من عدم الاستقرار وفي وضعٍ يتطلّب المزيد من المعونات والمساعدات، وفي وظل واقع تتحدّث فيه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بشكلٍ واضح أنّ الشهور القادمة ستشهد المزيد من المعاناة إذا لم يتوفّر الدعم المالي الكافي لتقود بتأدية دورها ومهامها التعليميّة والإنسانيّة والطبيّة للاجئين بالشكل المطلوب.
التفويض الأممي لوكالة "أونروا" بحاجة لمظلّة ماليّة
وأردف الخضري خلال حديثه لـ"بوابة اللاجئين" قائلاً: هذا الوضع مقلق للغاية، وعيد الأضحى يقترب والناس لها متطلبات ومستلزمات أساسيّة، والناظر اليوم إلى الأسواق سيرى كساداً في البضائع لم يمر على قطاع غزّة منذ 30 عاماً تقريباً، مُشيراً إلى أنّ مهمّة المجتمع الدولي اليوم توفير كل الاحتياجات للاجئين الفلسطينيين لا سيما في ظل التفويض الأممي الممنوح لوكالة "أونروا" للعمل في مناطقها الخمس، فيجب أن يُتبع هذا التفويض بمظلّةٍ ماليّةٍ تجعل من دور "أونروا" دوراً كاملاً ومتكاملاً في خدمة كافة اللاجئين، داعياً كافة اللاجئين إلى المزيد من الصمود -كما عهدناهم- إلى حين العودة إلى الديار التي هُجّروا منها.
يقولون إنّ الضغط يولّد الانفجار، لذلك حذَّرت جهات فصائليّة ومجتمعيّة في قطاع غزّة من أنّ استمرار الوضع الاقتصادي في قطاع غزّة على هذا الحال من سيءٍ إلى أسوأ لن ينتج عنه إلّا انفجار جديد في وجه الاحتلال وسياساته العنصريّة التي يطبّقها على أكثر من 2 مليون فلسطيني في القطاع المُحاصَرة، غالبيتهم من اللاجئين الفلسطينيين.