عند الحديث عن الفعل النضالي في المُخيّمات الفلسطينيّة يُقال عن مُخيّم جنين للاجئين الفلسطينيين إنّه مُخيّم الاشتباك، ومُخيّم الصمود ورفض الضيم على الدوام، إذ يُؤرّق هذا المُخيّم الاحتلال وأجهزته الأمنيّة، وطوال الوقت يُحرّض الاحتلال على مجموعات المُقاومة المسلّحة داخل المُخيّم عبر تشويهها وربطها بالفوضى واللفتان الأمني لكبح انتشارها في مناطق أخرى أو تشويه وتسفيه فعلها المُقاوِم، لكن وفي الآونة الأخيرة تُحاول السلطة الفلسطينيّة وأجهزتها الأمنيّة شيطنة المُخيّم ووسم بعض المقاومين فيه بـ"المنفلتين والخارجين عن القانون".
يؤوي مخيم جنين الذي تأسس عام 1953 غربي مخيم جنين نحو 16 ألف لاجئ فلسطيني مسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ولطالما عرف بأنه أسطورة الصمود ومخيم المناضلين.
مساء يوم الجمعة الماضي، 19 نوفمبر/ تشرين ثاني، جرى تبادل لإطلاق النار بين عناصر بالأجهزة الأمنية ومسلّحين في المُخيّم وذلك أثناء ما أسمتها السلطة "حملة أمنية" للقبض على مطلوبين داخل المُخيّم، لكنّ هذه الحادثة لم تكن منفصلة عن سياقٍ بدأ خلال الشهر الجاري، إذ شيّعت جماهير حاشدة ظهر الثاني عشر من تشرين الثاني / نوفمبر جثمان القيادي البارز في حركة حماس ووزير الأسرى السابق وصفي قبها في موكبٍ مهيبٍ إلى مقبرة الشهداء في مُخيّم جنين بمُشاركة العشرات من المقاومين المُسلّحين، ويوم الرابع عشر من ذات الشهر، أي بعدها بيومين، أعلنت قيادة أجهزة أمن السلطة عن إجراء سلسلة تنقلات في قيادات الأجهزة الأمنية بجنين وتوزيعهم على مناطق أخرى، عازيةً ذلك إلى "التغيير وتعزيز الحالة الأمنية في المحافظة".
وعقب كل هذه التطورات، جاء في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أنّ رئيس جهاز الأمن العام الصهيوني "الشاباك" رونين بار التقى سراً في رام الله برئيس السلطة محمود عباس، وذلك بسبب ما أسمته "منع حركة حماس من موطئ قدم في الضفة"، بحسب الصحيفة، وتعقيباً على الاشتباكات المسلّحة الأخيرة في المُخيّم، قالت الصحيفة في وقتٍ لاحق: إنّ "عملية السلطة ضد حمـاس والجهـاد الإسلامي في جنين هي تذكير لكل من قلّل من شأن العلاقة المهمّة مع أبو مازن".
يقول القيادي في حركة الجهاد الإسلامي والأسير المحرر خضر عدنان وهو من جنين: إنّ أجهزة أمن السلطة اقتحمت مُخيّم جنين بهذه المجموعات الكبيرة ليس لاعتقال أحد المطلوبين أو الهاربين، بل من أجل القضاء على بؤرة المُقاومة، وهذا يتضح من كل حديث أهالي مُخيّم جنين وخاصّة المحسوبين على فصائل المُقاومة، وفي الآونة الأخيرة تبيّن أن السلطة منزعجة للغاية من الحشود الكبيرة التي شاركت في تشييع جثمان القائد الوطني وصفي قبها وظهور المقاومة المسلّحة خلال التشييع.
لا يجب أن توجه السلطة الفلسطينية سلاحها نحو الداخل الفلسطيني
يشدد عدنان على ضرورة مواجهة أفعال السلطة هذه من خلال مواقف مبدئيّة من النخب الفلسطينيّة كي لا توجّه السلطة سلاحها نحو الداخل الفلسطيني "لأنّنا اليوم أحوج ما نكون للوحدة الفلسطينيّة في وجه مشاريع وجرائم الاحتلال، وليس للصالح الفلسطيني العام شيطنة مُخيّم جنين الذي خرّج المناضلين والاستشهاديين، ولا يجوز أن يوسم بأنّه بؤرة لتجّار المُخدرات والسيارات المسروقة كما روّج الإعلام العبري خلال الآونة الأخيرة"، ويشير إلى أنه يجب على السلطة الخروج ونفي كل هذه المزاعم بدلاً من الهجوم على المُخيّم الذي يُخرّج خيرة أبناء الشعب الفلسطيني الذين باتت أفعالهم المُقاوِمة محرّكاً لكل الضفة المحتلة، بحسب وصفه.
قادة الأجهزة الأمنية لا يقومون بواجبهم ويتحركون باتجاه مخيم جنين المُقاوم
وحول تغيير قادة الأجهزة الأمنية في جنين، يرى عدنان أنّ باكورة أعمال القادة الجدد هي دخول مُخيّم جنين وهذا مؤسف، حيث كان الأولى على هذه الأجهزة التوجّه للمناطق المشتعلة بالمشاكل العائليّة والعشائريّة والتي تُعاني من الفلتان، لكنها لا تقوم بواجبها هناك وتتحرّك باتجاه مُخيّم جنين المُقاوِم والمُحافظ على رمزية المقاومة وكان وما زال شوكة في حلق الاحتلال الذي يخشى أن تعود عقارب الساعة إلى الخلف وتندلع معركة على شكل معركة مُخيّم جنين البطولية عام 2002، حيث انتصر الدم على السيف والكف على المخرز وكانت وحدتنا صمام الأمان وعنوان الانتصار.
مخيم جنين يتعرض لتحريض كبير بعد فشل الاحتلال في اقتحامه
القيادي في حركة حماس خالد الحاج وهو أحد وجهاء جنين، يؤكَّد لموقعنا أنّ مُخيّم جنين يتعرّض لتحريضٍ كبير منذ عدّة شهور بعد فشل الاحتلال في اقتحامه واعتقال بعض المقاومين من داخله، وقام بعدّة محاولاتٍ لإدخال قوات خاصّة لتنفيذ الاعتقالات ولكن دخول جيش بزي رسمي معروف لم يحدث منذ تاريخ 16 آب/ أغسطس 2021.
يضيف الحاج بأن هناك تهديدات للسلطة من جانب الاحتلال بأنّه إمّا أن "تقوموا أنتم بالواجب، أو نقوم نحن به" في إشارة للسيطرة على حالة المُقاومة في المُخيّم، ويشير إلى ما قاله بعض المسؤولين في السلطة نفسها بأنّ "موكب تشييع القيادي قبها دقّ ناقوس للخطر"، موضحاً أن ما جرى هو مجرّد تكريم طبيعي من أهالي المُخيّم للمهندس الراحل، ولا يوجد أي مبرّر لشن حملة أمنيّة على المُخيّم لأنّ معلوماتنا تقول أنّ المُخيّم لا يوجد فيه أشخاص خارجون عن القانون أو تجّار مخدّرات أو سارقو سيّارات بل يعتبر مُخيّم جنين من أفضل مُخيّمات اللاجئين في الضفة المحتلة، وهذا في حدود ما نسمع ونرى بشكلٍ يومي.
الخاسر الوحيد هي المُخيّمات وفلسطين
وقدّم الحاج مقترحاً للحفاظ على مكانة واعتباريّة مُخيّم جنين، إذ دعا إلى ضرورة إجراء حوارٍ حقيقي بين السلطة ورجال وشخصيات المُخيّم المناضلين والوطنيين الموجودين داخله لمعرفة ماذا تريد هذه السلطة؟ ومحاولة الوصول إلى صيغة ما تجنّب السلطة عملية المواجهة مع أهل المُخيّم وتحفظ في ذات الوقت مكانة وقدسيّة وكرامة المُخيّم، و"هذا غير مستحيل بدلاً من الاقتحامات والقمع والقاء قنابل الغاز المسيل للدموع وضرب الحجارة وإطلاق النار"، مُؤكداً أنّ الخاسر الوحيد هي المُخيّمات وفلسطين وأهلها، خاصّة وأنّ المُخيّمات قدّمت الكثير لأجل فلسطين ويكفيها الجوع والحرمان والاكتظاظ والهموم، لذلك ليس من المعقول أنّ نزيد من هذه المعاناة.
اللافت أنّ أجهزة أمن السلطة ووسائل إعلامها المختلفة روّجت عقب الاشتباكات المسلّحة في المُخيّم أنّ ما جرى هو لفرض الأمن والأمان في المُخيّم ولاعتقال مطلوبين، وهذا في ظل حالةٍ من الانفلات الأمني في مدينة الخليل بسبب شجارات عائليّة وعشائريّة جرى خلالها حرق العديد من المحلات التجاريّة والسيارات وإغلاق لبعض الطرقات دون تدخلٍ حقيقيٍ من قِبل أمن السلطة، بحسب ما يقوله الناشطون.
يُثبت دائماً أنّ الخلّل لدى السلطة
يقول الناشط السياسي جمال الزبيدي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ ما جرى مُؤخراً في المُخيّم مرفوض جملةً وتفصيلاً، لأنّ تاريخ مُخيّم جنين ناصع وليس بحاجة لشهادة أحد، ودائماً سلاحه موجّه للعدو، ويثبت دائماً أنّ الخلّل موجود لدى السلطة وأجهزتها الأمنيّة وليس لدى أي جهة أخرى، وفي كل مرّة تفشل السلطة في مُعالجة القضايا والمشاكل في كل مناطق الضفة الغربيّة وليس في مُخيّم جنين فقط.
يعتبر الزبيدي أنّ مصادرة سلاح الفوضى والأعراس والمشاكل العائليّة لا مشكلة فيه، ولكن نحن (ويقصد الفلسطينيين في المخيم) ضد السعي للمساس بـالسلاح الموجّه نحو الاحتلال ومصادرته، ومع الحفاظ على قدسيّة هذا السلاح والحفاظ على وجهته وألّا يتم حرف بوصلته أو تشتيتها.
مضمون اقتحام المُخيّم يختلف عن عنوانه
من جهته يُشير الشيخ بسّام السعدي من مُخيّم جنين إلى أنّ شيطنة المُخيّمات الفلسطينيّة وعلى رأسها مُخيّم جنين لا يصب إلا في مصلحة الاحتلال، مُؤكداً أنّ مضمون اقتحام مُخيّم جنين قبل أيّام يختلف عن عنوانه، إذ جرى ترويج الاقتحام بأنّه لإنهاء خلاف والقاء القبض على مطلوبين، لكن هذا جاء بعد ضغط "الإسرائيليين" على السلطة التي تتصرّف أحياناً وترتكب أفعالاً لا تخدم المصلحة العليا للشعب الفلسطيني خاصّة وأنّها تدور في حلقة مفرغة منذ 30 عامًا من المفاوضات ذات اللاجدوى.
وأكد السعدي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين على ضرورة السعي نحو الوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة بدلاً من اقتحام المُخيّمات وإنهاء بؤر التحدّي والمقاومة لشعبنا الفلسطيني "فهذا مزعج جداً، ويجب علينا مهما وصلت الأمور ألّا ننجر إلى مربّع الصِدام وحمامات الدم التي يتمنّاها الاحتلال لنا من أجل القضاء على بعضنا البعض".
ويضيف شأنّ فصائل المقاومة الفلسطينية هي الأحرص على وضع المُخيّمات لتبقى عنوان قضية اللاجئين المهجّرين من قراهم وبلدانهم.