يتواصل التصعيد العسكري الصهيوني ضد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالضفة المحتلة منذ شهور، إذ تسبّب هذا العدوان وما يزال في استشهاد وإصابة واعتقال مئات اللاجئين الفلسطينيين من المخيمات المختلفة، وسط رد فعل رسمي فلسطيني يكتفي ببيانات الإدانة فقط، في مقابل فعلٍ نضالي متصاعد داخل المخيمات.
وخلال الأشهر الماضية، شكّلت المُخيّمات الفلسطينيّة في الضفة ساحة مواجهة واسعة مع جيش الاحتلال الذي ارتكب مئات الاعتداءات والانتهاكات بحق أهلها، وفي المقابل تصاعدت عمليات المقاومة المنطلقة من معظم المخيمات.
وخلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت رصد موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين مئات الانتهاكات التي تركّزت في عدّة مخيمات، وتوزّعت آثار الاعتداءات الصهيونية ما بين الإصابات بالرصاص بهدف القتل، وما بين الاعتقالات والمداهمات لمنازل اللاجئين الفلسطينيين.
وتردّد اسم مُخيّمات عدة على طول أراضي الضفة الغربية كبلاطة وجنين وشعفاط والدهيشة وعايدة والعروب وعسكر كأحد أبرز نقاط المواجهة مع جيش الاحتلال، لا سيما مع خروج بيانات وتصريحات من مجموعات المقاومة في جنين وبلاطة وشعفاط تتبنى عمليات ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه.
الانتهاكات طاولت 12 مُخيّماً للاجئين في الضفة
ومن خلال المتابعة اليوميّة للاعتداءات التي يرتكبها الاحتلال، رصد موقعنا خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر ارتقاء 3 شهداء داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، منهم 2 من مُخيّم جنين، فيما تم رصد 32 حالة اعتقال، و202 إصابة من بينها بالرصاص الحي، و68 عملية اقتحام ومداهمة تخلّلها اندلاع مواجهات في 12 مُخيّماً بالضفة من أصل 19 مُخيّماً فلسطينيّاً.
وبيّن الرصد استمراراً في تصاعد اعتداءات الاحتلال على المخيمات الفلسطينيّة بالضفة خلال شهر نوفمبر من ناحية العدد مقارنةً بشهر أكتوبر الذي سبقه، رغم استشهاد 11 فلسطينياً في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2022.
وطالت انتهاكات الاحتلال خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المخيمات التالية: مُخيّم العروب، ومُخيّم نور شمس، ومُخيّم جنين، ومُخيّم عايدة، ومُخيّم شعفاط، ومُخيّم الدهيشة، ومُخيّم قدورة، ومُخيّم قلنديا، ومُخيّم عسكر الجديد، ومُخيّم الفوار، ومُخيّم بلاطة، ومُخيّم عقبة جبر.
الشهداء
ووفق تحليل الرصد الذي أجراه موقعنا، يتبيّن أنّ هناك 2 من الشهداء خلال شهر نوفمبر في مخيم جنين، والشهيد الثالث من كتيبة مخيم بلاطة.
الاعتقالات
ويتبيّن حسب الرصد، أنّ مُخيّم جنين يتصدَّر في عدد الاعتقالات بمجموع 8 معتقلين خلال الشهر المذكور، يليه مخيم عايدة بعدد 6 معتقلين، ثم يليه مخيم الدهيشة بعدد 4، ويأتي بعدهم مخيم نور شمس في طولكرم.
إصابات بالرصاص الحي
وخلال اقتحامات الاحتلال للمخيمات المذكورة، أصيب 202 لاجئ من ضمنهم برصاص الاحتلال الحي، حيث كان مخيم جنين إلى جانب مخيم بلاطة في مقدمة المخيمات التي سُجلت فيها الإصابات بمجموع 121 إصابة منها بالرصاص الحي، إلى جانب إصابة المئات اختناقاً بالغاز وجرى علاجهم ميدانياً من قِبل الطواقم الطبيّة.
مداهمات واندلاع مواجهات
وتبيّن أيضاً أنّ قوات الاحتلال اقتحمت المُخيّمات المذكورة 68 مرّة ما بين ساعات الفجر والصباح، وساعات المساء والليل المتأخّر، إذ يوضّح الرصد أنّ مُخيّم عايدة للاجئين الفلسطينيين هو أكثر المُخيّمات اقتحاماً من قِبل قوات الاحتلال خلال الشهر الحادي عشر من عام 2022 بـ 12 اقتحاماً، يليه من ناحية العدد مُخيّم العروب بعدد 11 اقتحاماً، ومن ثم مُخيّم جنين.
"كتيبة بلاطة" خلال شهر نوفمبر نعت الشهيد مهدي حشّاش ووصفته بـ"أسد الكتيبة"، فيما أكَّدت أنّه استشهد بعد اشتباكٍ مسلّحٍ مع قوات الاحتلال.
يقول المحلّل السياسي صلاح عبد العاطي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ المقاومة حق وواجب للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، والعمليات البطوليّة التي ينفّذها أبناء المخيمات للدفاع عن أنفسهم وبيوتهم ومُخيّماتهم، هي عمليات ذات جدوى في وقتٍ يتمدّد فيه الاستيطان وتستمر انتهاكات الاحتلال بحق الفلسطينيين بالضفة بشكلٍ عام وأهالي المخيمات بشكلٍ خاص.
عمليات أبناء المخيمات في الضفة الغربية تتجاوز الفصائلية وذات نكهة وطنية جامعة
الاشتباك الذي خاضه الشهيد مهدي حشاش في مخيم بلاطة جاء إلى جانب العمليات التي تنفذها مجموعة "عرين الأسود" في نابلس وهي المجموعة التي استطاعت أن تسبب أرقاً للاحتلال وأجهزته الأمنيّة في الشهور الأخيرة، مع تصاعد أعمال المقاومة المنطلقة من المُخيّمات بشكل عام، في مقابل تصاعد التحريض "الإسرائيلي" والتعامل معها بعنف أكبر.
يرى عبد العاطي في هذا الجانب، أنّ عمليات المقاومين من أبناء المخيمات تُبقي القضية الفلسطينيّة حيّة، ناهيك عن أنّ هذه العمليات ونوعيّتها باتت تتجاوز ما قد نُسميه "الفصائليّة"، وتُعيد هذه التشكيلات إحياء الهوية الوطنيّة الجامعة في مواجهة الأسرلة ومشروع الاستيطان الاستعماري.
تحريض إعلامي مدعوم بعمليات عسكرية ضد مخيمات الضفة
خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، تصاعد التحريض "الإسرائيلي" المرتبط بالاعتداءات والعمليات العسكرية على مجموعات "عرين الأسود" و"كتيبة بلاطة"، كما تباهت وسائل إعلام الاحتلال بوصول الجيش إلى بعض قادة المقاومة في الضفة واغتيالهم، لكنّ هذه المجموعات فاجأت الاحتلال مرات عدّة من خلال عمليات إطلاق على حواجزه العسكريّة وتجمّعات جنوده ومستوطنيه، وفي مدن مختلفة من الضفة الغربية المحتلة.
يؤكّد عبد العاطي أنّ هذا التحريض بحق المخيمات في حالة تصاعد خطير، مُشيراً إلى أنّه يأتي من أجل ضمان فرش الأرضيّة المُناسبة لكل هذه الانتهاكات الموجودة في المُخيّمات، سواء اقتحامات أو اعتقالات أو إصابات أو عمليات إعدام ميداني، عدا عن أنّ هذا التحريض يأتي في سياق صعود الفاشيّة والعنصريّة في حكومة الاحتلال التي لا تؤمن بأي حقٍ من الحقوق الفلسطينيّة لا سيما حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
نحن اليوم أمام موجة انتفاضة جديدة
من المُلاحظ في الآونة الأخيرة، أنّ بيانات التشكيلات المُقاوِمة في الضفة وخاصّة مجموعة "عرين الأسود" كانت تحتوي على جملٍ ثابتة وموحّدة أرادت تبعث من خلالها رسالة للعدو، بأنّ العنقاء تخرج من تحت الرماد من جديد في كل مرّة، حيث أكَّدت المجموعة أكثر من مرّة: "واهمٌ من يظن أننا انتهينا، وسنرى من يُحاصر من".
في هذا الصدد يقول عبد العاطي: نحن اليوم أمام موجة انتفاضة جديدة تتمثل في بطولات "عرين الأسود"، و"كتيبة بلاطة"، و"كتيبة جنين"، والكتائب المختلفة، وهذه الموجة ليست عابرة، وإنّما ستؤسّس لمرحلةٍ جديدة في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني في ظل أزمة الحركة الوطنيّة والسلطة، بحسب تعبيره.
رفع كلفة الاحتلال والاستيطان
أمّا بشأن انعكاسات ذلك، يرى عبد العاطي أنّ انعكاسات هذه العمليات البطوليّة ستكون برفع كلفة الاحتلال "الإسرائيلي" وإحراج السلطة وأجهزتها الأمنيّة التي تُصر على مواصلة التنسيق الأمني وتقديم العلاقات مع الاحتلال، وهذا الأمر سيدفع إلى تغيير هذه المقاربات خاصّة وأنّنا أمام حكومة يمين فاشي متطرّف لا تمنح السلطة أياً من الحقوق المقرّرة في الاتفاقيات معها، حتى أنّها لا تحترم اتفاق "أوسلو" سيء الصيت، وهذا متوقّع أن يكون له انعكاسات على كيان الاحتلال بإفقاد المستوطنين الأمن ورفع كلفة الاستيطان، أي تراجع أعداد المستوطنين في الضفة الغربيّة المحتلة.