تستعد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك غداً الجمعة 12 تموز / يوليو، لاستضافة مؤتمر إعلان التعهدات المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بمشاركة رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة بالإضافة الى المفوض العام لوكالة "أونروا" في ظل أزمة مالية خانقة تعصف بالوكالة، وهجمة "إسرائيلية" شرسة تتصاعد ضدها، ولعل أبرز أدواتها هو محاولات تجفيف مواردها المالية عبر فبركة ادعاءات حولها ومساعي وسم موظفيها بما يسمى "الإرهاب" بالإضافة إلى استهداف مقراتها في قطاع غزة والقدس.
وينخفض سقف التوقعات من حصول وكالة "أونروا" على التمويل اللازم لها لتغطية عجزها المالي واستمرار تقديم خدماتها، رغم اعتراف معظم الدول المانحة بالحاجة الماسة لاستمراريتها، لا سيما في ظل الظروف الإنسانية الصعبة التي ولدتها حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة، والتي نالت بدورها من مقرات الوكالة وموظفيها، حيث إن 200 موظف في الوكالة استشهدوا جراء القصف "الإسرائيلي" وأدى استهداف جيش الاحتلال إلى تدمير أكثر من ثلثي مقرات الوكالة في القطاع والتي تحول معظمها إلى مراكز للإيواء، وشهدت هذه المراكز مجازر "إسرائيلية" مروعة أسفرت بحسب تقديرات "أونروا" عن استشهاد أكثر من 520 فلسطينياً كانوا يحتمون فيها.
وفي الوقت ذاته ما تزال تمنع الوكالة من تقديم الاحتياجات الإنسانية في شمالي قطاع غزة، فيما تعرض مقرها في القدس لاستهداف المستوطنين والسلطات "الإسرائيلية".
ورغم أن المجتمع الدولي والدول المانحة على اطلاع حول ما تتعرض له وكالة "اونروا" من اعتداء واستهداف "إسرائيلي" ومحاولات تشويه ثبت في غير مرة أنها محض افتراءات إلا أن خبراء ومختصون لا يعبرون عن تفاؤل بأن تحظى الوكالة بأكثر من دعم سياسي.
موضوع ذو صلة: منظمة (UN WATCH) تواصل التحريض ضد "أونروا" والفلسطينيين بترويج الأكاذيب
سيكون هناك دعم سياسي كبير ولكن دون دعم مالي يتطلب إرادة سياسية لا تملكها الدول المانحة
هذا ما يراه مدير الهيئة (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي الذي توقع أن يكون هناك دعم سياسي كبير جداً كما جرت العادة (167 دولة أيدت تمديد عمل وكالة أونروا لـ 3 سنوات حتى تاريخ حزيران/ يونيو )2026 ولكن بدون دعم مالي.
يقول هويدي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "اعتقد أننا سنسمع كثيراً من عبارات الدعم المعنوي والسياسي لأهمية الأونروا في توفير الخدمات لأكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني مسجل في مناطق العمليات الخمسة ولكن لن يكون هناك دعم مالي بالمستوى المطلوب".
وأضاف: إن وكالة "أونروا" لن تحصل على المبلغ المطروح للتمويل وهو 880 مليون دولار في المؤتمر إلا بالحد الأدنى، معزياً الأمر إلى ضغط كبير جدا يمارس على المانحين منذ مدة طويلة من قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر وحتى ما يسمى مشروع القانون في الكنيست يتصنيفها كـ "منظمة إرهابية".
يؤكد هويدي أن دعم وكالة "أونروا" مالياً هو مسألة إرادة سياسية لا تملكها الدول المانحة، ولولا ذلك لكان بالإمكان دفع كافة المبالغ المالية التي تطلبها الوكالة على مستوى الميزانية، مشيراً إلى وجود صعوبات كبيرة لجمع ما يمكن جمعه مالياً في مؤتمر يوم الجمعة.
وتعاني وكالة "أونروا" من عجز في الميزانية البرامجية وقيمتها 880 مليون دولار، حيث لم يتم توفير سوى 56% من المبلغ فقط، في حين تطلب الوكالة 1.2 مليار دولار ضمن برنامج الطوارئ من أجل الاستجابة الإنسانية في قطاع غزة في ظل الحرب، وحتى اللحظة لم يتم توفير سوى 17 % فقط، وحتى المبلغ المطلوب لميزانية الطوارئ المتعلقة بسوريا ولبنان والأردن لم يتوفر منه سوى 15% في ظل تحديات جمة تقف أمام الإيفاء بهذه المبالغ من قبل المانحين.
غياب الجهد الدبلوماسي والسياسي الفلسطيني في أروقة الأمم المتحدة يخفض سقف التوقعات
ويعزو المتحدث السابق باسم وكالة "أونروا" سامي مشعشع التوقعات المنخفضة بحصول "أونروا" على التمويل المطلوب في مؤتمر المانحين إلى غياب الجهد الدبلوماسي والسياسي الفلسطيني في أروقة الأمم المتحدة، إلى جانب انعدام الجهد البرلماني علاوة على ضعف الوجود الإعلامي غير واضح المعالم.
ويشير مشعشع لبوابة اللاجئين الفلسطينيين إلى غياب الدور الفلسطيني الفاعل (سواء من التجمعات واللجان الشعبية وما يرافقه من القوى والفصائل) مضيفاً أيضاً أن دعم الدول العربية يكاد يكون ضعيفاً وليس بالمستوى المطلوب مع أهمية دعم الدول الإسلامية والذي هو دون المستوى أيضاً.
وذكّر الخبير الدولي أن الجهات الفلسطينية لعبت عام 2018 دوراً كبيراً عندما سحبت الولايات المتحدة ورئيسها حينذاك "دونالد ترامب" كل الدعم والتبرعات، وأطلقت الوكالة حملة (الكرامة لا تقدر بثمن) واستطاعت القفز على الفاقد الأميركي، قائلاً: "بإمكاننا أن نعيد الكرة لتلبية احتياجات الوكالة للخروج من الأزمة لخدمة اللاجئين وخاصة في قطاع غزة في ظل حرب الإبادة".
ما لم ينطلق الفلسطينيون بخطة سريعة ومضادة ستكون خسارتهم فادحة
يؤكد مشعشع أن هدف الكيان "الإسرائيلي" هو القضاء على الفعل المقاوم ولكن الهدف الاستراتيجي الموازي له أيضاً هو القضاء على حق عودة للاجئين الفلسطينيين، وفي سبيل تحقيق ذلك القضاء على وكالة "أونروا" كمؤسسة خدماتية وكقرار أممي وكرمزية أيضاً.
وحذّر بأنه ما لم ينطلق الفلسطينيون بخطة مضادة وسريعة ستكون خسارتهم فادحة جداً، داعياً إلى ضرورة وضع خطة مضادة على جميع الأصعدة الدولية لمواجهة خطط الاحتلال "الإسرائيلي" بالقضاء على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة عبر إنهاء دور وكالة "أونروا" في غزة والقدس.
يرى مشعشع أنه يوجد إعلامياً مساحة واسعة لدعم "أونروا" وحشد الدعم لها وتعزيز مفهوم حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، ولكنه يصف أن العمل الفلسطيني في هذا المجال بأنه "ضعيف" وأن العمل الشعبي على مستوى اللجان الشعبية والنقابية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بأنه "متردد"، لذا "هناك حاجة ماسة لخطة متكاملة ومتدحرجة على كافة الأصعدة".
يشدد مشعشع بأن للفلسطينيين ملاحظات قوية على وكالة "أونروا" ولكن في الوقت الحالي يجب الالتفاف حولها والعمل معها لتوسيع رقعة الدعم المالي لها.
الدعم المالي العربي لوكالة (أونروا) مطلوب بشدة في هذه الفترة
وفي سياق تسويع رقعة الدعم المالي للوكالة، يتساءل مدير الهيئة (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين على هويدي عن دور الدول العربية المنوط بها منذ عام 1987، بأن تساهم بما نسبته 7.8% من الميزانية العامة لوكالة "أونروا"، مشدداً على "وجوب مساهمة الدول العربية بهذه النسبة خاصة أن هناك تراجعاً ملحوظاً من قبل دول الخليج بشكل خاص"
ويؤكد هويدي على أن الدعم المالي العربي لـ "أونروا" مطلوب بشدة في هذه الفترة، على ألا يكون بدلاً عن التمويل الدولي "لأننا لا نريد تعريب وكالة الأونروا وعندما يتم دعم الوكالة فهذا يعني تحمل المسؤولية السياسية لقضية اللاجئين، وعلى هذه الدول أن تقوم بدورها إلى ان ينتفي السبب الذي تأسست من أجله، وهذا يحدث بتطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين".
الضغط الإسرائيلي على المانحين يهدف إلى إنهاء القرار (194) عبر شطب (أونروا)
ويوضح هويدي أن الضغط "الإسرائيلي" على المانحين وعلى "أونروا" ليس هدفه فقط شطب حق العودة للاجئ الفلسطيني، وإنما تثبيت شرعية وجود كيان الاحتلال في الأمم المتحدة عبر إنهاء القرار (194) القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين، والطريق لإنهاء هذا القرار يمر عبر إنهاء وكالة "أونروا" وانهاء مسمى "لاجئ" والعمل على شطب هذا القرار في الجمعية العامة وتثبيت شرعية وجود هذا الكيان بالأمم المتحدة.
ويتفق هويدي مع مشعشع على ضرورة تطوير استراتيجية وطنية فلسطينية لمواجهة استهداف وكالة "أونروا" والدفاع عنها وحمايتها وتثبيت عملها وضمان استمرارية دورها إلى حين العودة.