أعلنت المديرية العامة للأمن العام في لبنان عن السماح للاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا بمغادرة البلاد بعد تسوية أوضاعهم مجاناً، دون فرض بدل خدمات مأجورة، ورغم أن القرار يخفف القيود القانونية المفروضة على اللاجئين، إلا أنه يفتح أبواب تساؤلات عديدة حول مستقبل هؤلاء المهجرين الذين يعيشون بين معاناة اللجوء في لبنان وصعوبة العودة إلى سوريا، في ظل التدمير الشامل لمنازلهم، ولا سيما أبناء مخيم اليرموك، وغياب مؤشرات الدعم وإعادة الإعمار، خصوصاً من قبل الجهات الفلسطينية الرسمية.
يمثل الدمار الكبير الذي حل بمخيم اليرموك، أكبر مخيم فلسطيني في سوريا، عائقاً رئيسياً أمام عودة اللاجئين الفلسطينيين المهجرين، لا سيما أولئك الذين فروا إلى لبنان، وبغياب الدعم المادي لإعادة إعمار المخيم، تظل العودة خياراً بعيد المنال.
جهود في #مخيم_اليرموك جنوبي #دمشق من أجل إعادة الحياة إليه بعد سقوط نظام بشار الأسد وتحديات إعادة الإعمار الخدمات والكهرباء ما تزال ماثلة أمام سكانه الذين هجر معظمهم خلال سنوات الحرب فيما تمر هذه الأيام الذكرى الـ12 لمجــ..زرة مسجد عبد القادر الحسيني أول قصف جوي مباشر من قبل… pic.twitter.com/50EGES7B4w
— بوابة اللاجئين الفلسطينيين (@refugeesps) December 17, 2024
مؤخراً، منذ سقوط النظام السوري يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، عاد إلى سوريا من الفلسطينيين المهجرين إلى لبنان، نحو 4 آلاف لاجئ من أصل 23 ألف لاجئ فلسطيني مسجل في لبنان. إلا أنّ معظمهم عادوا عودة عكسية، حسبما أفاد مسؤول رابطة فلسطينيي سوريا المهجرين إلى لبنان طالب لبوابة اللاجئين الفلسطينيين.
وأوضح حسن، أنّ العودة العكسية جرت، نتيجة ما رأوه من أهوال الدمار في مخيم اليرموك، سواء في المنازل أم البنى التحتية والخدمية، فضلاً عن فقدان مقومات العيش خارج المخيمات، نظراً لغلاء الأسعار في سوريا وانعدام فرص العمل، وغياب الدعم من قبل الجهات الفلسطينية.
وأضاف، أنّ أكثر من 70% من الفلسطينيين السوريين في لبنان، منازلهم مدمرة في سوريا، وسط غياب آمال إعادة إعمار مخيم اليرموك بشكل قريب، وتجربة مخيم نهر البارد ماثلة أمامهم في لبنان، وسط انعدام قدرتهم بالمطلق على استئجار منازل في مدينة دمشق.
ولفت حسن، إلى أنّ الناس ليس لديها استعداد للعودة والعيش في خيام، مشيراً إلى أنّه لو كانت العودة إلى بلدهم فلسطين، فالناس لديها استعداد العيش بخيام ريثما يجري إعمار منازلهم، وإعادة تأهيل البنى التحتية المدمرة كلياً في سوريا.
اقرأ/ي حول واقع مخيم اليرموك بعد سقوط النظام السوري: آمال العودة تصطدم بالدمار والتهميش
ناشطون فلسطينيون مهجرون من سوريا إلى لبنان أكدوا ضرورة تفعيل الدعم الدولي والإنساني لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين على العودة إلى سوريا. وقال أبو محمد طعمة، أحد اللاجئين المهجرين من مخيم اليرموك إلى لبنان، إن اللاجئين يتمنون العودة، إلا أن غياب مقومات الحياة داخل سوريا يجعل العودة محفوفة بالمخاطر.
وأشار إلى أن معظم المهجرين في لبنان ينحدرون من مخيم اليرموك المدمر، حيث أصبح العيش داخله مستحيلاً بسبب الدمار وانعدام البنية التحتية.
نار العودة أم البقاء؟
من جهته، أشار أبو عمار شهابي، لاجئ آخر من مخيم اليرموك ومهجر في لبنان، إلى أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون في حالة من التخبط بين خيار العودة إلى مجهول مليء بالمخاوف، وبين الاستمرار في لبنان حيث توقفت إجراءات تجديد الإقامة المؤقتة التي كانت تمنحها السلطات اللبنانية لهم كل ستة أشهر.
وقال شهابي: إن قرار الأمن العام اللبناني بالسماح بالمغادرة المجانية قد يكون تمهيداً لدفع اللاجئين نحو العودة غير المنظمة، مع غياب أي خطط واضحة لإعادة إعمار المخيمات في سوريا.
وأكد أن المخاوف تتزايد من أن يكون مصير مخيم اليرموك مشابهاً لمخيم نهر البارد في شمال لبنان، حيث لا تزال أعمال إعادة الإعمار مستمرة منذ تدميره في عام 2007.
دعوات لتدخل منظمة التحرير و"أونروا"
يطالب اللاجئون الفلسطينيون منظمة التحرير الفلسطينية بلعب دور فعّال في حشد الدعم الدولي لتمويل إعادة إعمار المخيمات الفلسطينية في سوريا، وتقديم المساعدات الأساسية للاجئين، كما دعوا وكالة "أونروا" لتوسيع نطاق خدماتها بما يضمن الحد الأدنى من مقومات العيش، بدءاً من توفير الإيواء وتأمين احتياجات الحياة الأساسية.
ويعيش في لبنان نحو 23 ألف لاجئ فلسطيني مهجر من سوريا، يعاني 90% منهم من الفقر المؤكد، وفقاً لما صرحت به مديرة شؤون وكالة "أونروا"، دوروثي كلاوس، في أغسطس/آب الماضي. وتعتمد هذه الفئة بالكامل على المساعدات الإنسانية التي تقدمها الوكالة، ما يجعلها عاجزة عن إعادة بناء حياتها في ظل دمار مخيماتها في سوريا.
بينما تُترك المخيمات الفلسطينية المدمرة في سوريا دون أي مؤشرات لإعادة الإعمار، يُدفع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان نحو قرارات العودة القسرية وغير المنظمة، في ظل أوضاع معيشية صعبة للغاية وفقدان الأمل في استقرار قريب.