أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي، يوم الأربعاء 22 تشرين الأول/أكتوبر، رأيًا استشاريًا مهمًا أكدت فيه أنه لا توجد أي أدلة تثبت انتهاك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" لمبدأ الحياد أو ممارستها التمييز في توزيع المساعدات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأكدت المحكمة بالإجماع أن كيان الاحتلال ملزم قانونيًا بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والامتناع عن استخدام التجويع كسلاح حرب ضد المدنيين، مشددة على وجوب تعاون سلطات الاحتلال مع الأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية، ولا سيما "أونروا"، لضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان من غذاء ومياه ودواء ومأوى.
وقال رئيس المحكمة يوجي إيواساوا إن الاحتلال "فشل في إثبات مزاعمه بأن نسبة كبيرة من موظفي أونروا أعضاء في حركة حماس"، مؤكدًا أن على "إسرائيل" الالتزام الفوري بتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.
وأشار الرأي الاستشاري إلى ضرورة تحقيق المساءلة عن مقتل موظفي "أونروا" وسوء معاملة العاملين في المجال الإنساني وتدمير منشآت الوكالة خلال حرب الإبادة على غزة، مؤكدًا أن دعم أنشطة "أونروا" بحسن نية يُعد التزامًا قانونيًا على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
ترحيب دولي واسع بقرار المحكمة
ورحّب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بقرار المحكمة واصفًا إياه بأنه "قرار مهم للغاية"، داعيًا الاحتلال إلى الالتزام الفوري بمضمونه.
وأعلنت النرويج نيتها تقديم مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإلزام الاحتلال بتنفيذ ما ورد في الرأي الاستشاري ورفع القيود المفروضة على دخول المساعدات إلى غزة.
وفي بيان لوكالة "أونروا" أكدت أن الحكم نصّ بوضوح على التزام الاحتلال بالموافقة على خطط الإغاثة التي تقدمها الأمم المتحدة ووكالاتها، وأن المحكمة فنّدت جميع المزاعم "الإسرائيلية" بشأن خرق الحياد أو اختراق الوكالة من قبل حماس.
وقالت الوكالة إنها تمتلك الموارد والخبرة الكافية لتوسيع نطاق الاستجابة الإنسانية فورًا، مشيرة إلى أن آلاف الشاحنات المحمّلة بالمساعدات في مصر والأردن ما زالت تنتظر الإذن بالدخول إلى القطاع.
وقال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني، إن محكمة العدل الدولية أكدت أن "أونروا" هي الجهة الإنسانية الرئيسية التي تتمتع بعلاقة فريدة ومستدامة مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ودعا لازاريني في تصريحٍ رسمي، المانحين وجميع أصحاب النفوذ إلى تسهيل ودعم جهود الوكالة في مواجهة الظروف الإنسانية المزرية في قطاع غزة، مشددًا على أن استمرار الدعم الدولي لـ"أونروا" بات ضرورة عاجلة لضمان تلبية احتياجات المدنيين ومواصلة تقديم الخدمات الأساسية في ظل التحديات الراهنة.
مواقف فلسطينية مرحبة
من جهتها، رحّبت دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية بالرأي الاستشاري، معتبرة أنه انتصار قانوني وسياسي كبير لـ"أونروا" كونه صادرًا عن أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة.
وقالت الدائرة في بيانها إن المحكمة فنّدت جميع المزاعم "الإسرائيلية" التي زعمت خرق "أونروا" للحياد أو تورط موظفيها في أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مشيرة إلى أن الاحتلال استخدم تلك المزاعم ذريعة لحصار الوكالة ماليًا وسياسيًا ومحاولة إنهاء دورها في خدمة الفلسطينيين.
وثمنت الدائرة دور النرويج في الدفع باتجاه صدور الرأي الاستشاري، داعية إلى تحويل القرار القانوني إلى التزام سياسي عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة يفرض على الاحتلال تنفيذ ما جاء فيه.
كما طالبت الدول المانحة التي جمّدت تمويلها لـ"أونروا" بإعادة النظر في قراراتها، مؤكدة أنه لا توجد أي مبررات للاستمرار في تعليق الدعم بعد أن أكدت المحكمة حيادية الوكالة.
كما رحّبت الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين بقرار المحكمة، معتبرة أنه أنصف "أونروا" وأسقط جميع الادعاءات "الإسرائيلية" ضدها، ويمثل فرصة للبناء عليه في العمل السياسي والدبلوماسي والإعلامي، خصوصًا مع اقتراب تصويت الجمعية العامة على تجديد ولاية الوكالة في كانون الأول/ديسمبر المقبل.
كما دعت الهيئة المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني إلى التراجع عن قرارات فصل موظفين استنادًا إلى ضغوط سياسية من الاحتلال والولايات المتحدة، مؤكدة أن تلك القرارات لا تمتّ لمبدأ الحياد بصلة.
وفي السياق ذاته، قالت حركة حماس إن القرار يؤكد أن "الاحتلال الإسرائيلي" يرتكب شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية باستخدام التجويع كسلاح حرب ضد المدنيين في غزة، مطالبة المجتمع الدولي بإجبار الاحتلال على احترام القانون الدولي وتنفيذ التزاماته الإنسانية.
وكان المندوب الفلسطيني لدى المحكمة عمار حجازي من لاهاي أشار إلى أن القرار يلزم الاحتلال قانونيًا لكنه "لن يلتزم طوعًا"، مضيفًا:"هنا يأتي دور المجتمع الدولي لإجباره على احترام القانون الدولي وتنفيذ التزاماته الإنسانية".
موضوع ذو صلة: محكمة العدل الدولية: على "إسرائيل" تمكين "أونروا" من أداء مهامها في غزة