رغم الدمار الواسع وأكوام الأنقاض في المخيم، إلا أن الحيوية عادت تملأ شوارع مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وداخل مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" رسم الأطفال الفلسطينيون المشهد الأكثر تأثيراً حيث استخدموا الغرف الصفية التي لم تدمّر سقوفها وجلسوا على الأرض يتابعون دروسهم الأولى منذ سنتين مع استئناف الدراسة لأول مرة منذ عقب اتفاق وقف إطلاق النار، في وقتٍ ما تزال مقومات الحياة الأساسية شبه معدومة.
مدارس أونروا ما تزال تؤوي آلاف النازحين الذين ليس لهم مأوى آخر ما يعيق بدء التعليم
وتستأنف العملية التعليمية هذا العام لنحو 300 ألف طالب في غزة وفقا لوكالة "أونروا"، وسط دمار هائل أصاب عشرات المدارس، فيما لا يزال المئات من النازحين يقيمون داخل مدارس الوكالة الأخرى، ما يعرقل سير التعليم ويجعل من العودة إلى الصفوف تحديًا صعبًا أمام الطلبة الذين لم يتجاوزوا بعد صدمات الحرب وفقدان الاستقرار.

ويشتكي اللاجئ علاء دخان من سكان مخيم النصيرات من حال العملية التعليمية قائلا: "بعد عامين من الانقطاع سمعنا أن وكالة الغوث فتحت باب التسجيل، فتوجهت إلى مدارسها لتسجيل أبنائي، لكنني تفاجأت بأن المدارس ممتلئة ولا تتسع للطلاب".
وأضاف دخان: أن العديد من المدارس ما تزال تؤوي نازحين لا يجدون مأوى بديلًا، ما يعيق بدء الدراسة، داعيًا إلى إيجاد حلول عاجلة تضمن حق الأطفال في التعلم دون المساس بحق النازحين في السكن.وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد حذّرت في وقت سابق من ضياع جيل كامل في غزة.
وقال المدير الإقليمي للمنظمة في الشرق الأوسط، إدوار بيغبيدير، في مقابلة مع وكالة "فرانس برس": "هذه هي السنة الثالثة بلا مدارس، وإذا لم نبدأ انتقالًا حقيقيًا لجميع الأطفال في فبراير/شباط المقبل، فسنصل إلى سنة رابعة، وعندها يمكننا الحديث عن جيل ضائع".

عشراتُ المدارس دمّرت وعشراتٌ أخرى تقع في نطاق سيطرة الجيش الإسرائيلي
وأوضح "بيغبيدير" أن من بين نحو 300 مدرسة تتبع للسلطة الفلسطينية، تحتاج نحو 80 إلى إعادة تأهيل، بينما دُمّرت 142 مدرسة بالكامل، و38 مدرسة يتعذر الوصول إليها لأنها تقع ضمن مناطق انتشار الجيش "الإسرائيلي".
وأشار إلى أن مراكز التعلم المؤقت تُقام داخل خيام أو غرف جاهزة قرب مخيمات النزوح، تفتقر حتى إلى النوافذ، حيث يُستخدم الكرتون أو الألواح الخشبية كطاولات، ويجلس الأطفال على الأرض أو على الحصر لكتابة دروسهم. وتُقدَّم الدروس بشكل متناوب ثلاثة أيام أسبوعيًا، لبضع ساعات صباحًا أو بعد الظهر، وتشمل ثلاث مواد فقط: الرياضيات والقراءة والكتابة.

وهذا ما يعكسه الواقع الفعلي في مدارس وكالة "أونروا" حيث ظهر الطلاب هذا العام يجلسون على أرضية الفصول بدون مقاعد أو كتب أو أدوات مساعدة في التعليم وسط اكتظاظ واضح يعيق سير التعليم.
ويتحدث الطالب مؤمن السراج عن عودته إلى المدرسة: "نحن منذ سنتين بلا مدارس، دُمّرت مدارسنا وقُتل أصدقاؤنا. هذا أول يوم أعود فيه للمدرسة، شعرت بالهدوء لكننا بلا كتب أو ملابس مدرسية. قبل الحرب كنا نتعلم بشكل متكامل، أما الآن فنأخذ فقط ثلاثة دروس يوميًا. نتمنى أن تعود مدارسنا كما كانت وأن تنتهي الحرب نهائيًا".

وكالة أونروا أكبر مزود للتعليم الطارئ في قطاع غزة
وتشدد وكالة اونروا على ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار في غزة من أجل إعادة الأطفال إلى بيئة تعليمية آمنة بعد عامين من المعاناة.
وقال جون وايت، نائب مدير شؤون "أونروا: في غزة، في مقابلة مع راديو وتلفزيون أيرلندا نقلت الوكالة فحواها عبر منصة "إكس": "الأطفال الفلسطينيون في غزة يحتاجون إلى الروتين والتعليم والهيكلية، لذا علينا أن نسعى جاهدين لتحقيق ذلك".
وأضاف وايت أن "أونروا" تظل أكبر مزود للتعليم الطارئ في القطاع، وتعمل على إيجاد مساحات في بعض المدارس لتقديم التعليم لنحو 10 آلاف طفل يوميًا، مقارنة بـ60 ألفًا خلال وقف إطلاق النار السابق، في ظل محدودية الإمكانيات واستمرار الأوضاع الإنسانية الصعبة.
وهكذا، تحاول غزة استعادة أبسط مظاهر الحياة عبر صوت الأجراس المدرسية، رغم أن الطريق إلى تعليم آمن ومستقر ما يزال طويلًا وشاقًا في ظل استمرار آثار الحرب ونقص الموارد.
