يوافق اليوم، 8 من كانون الأول/ديسمبر، مرور 38 عاماً على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، المعروفة بـ"انتفاضة الحجارة"، تلك المحطة التاريخية التي أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي، وكرّست في الوعي العالمي مصطلح "الانتفاضة" بوصفه رمزاً لمقاومة شعبٍ يواجه الاحتلال بإرادة لا تنكسر.
من جريمة دهس إلى ثورة شعبية شاملة
بدأت شرارة الأحداث في7 كانون الأول/ديسمبر 1987 عقب الجريمة التي ارتكبها سائق شاحنة "إسرائيلي" حين دهس مجموعة من العمال الفلسطينيين عند حاجز بيت حانون – إيرز شمال غزة، ما أدى إلى استشهاد أربعةٍ من أبناء مخيم جباليا.
رفض أهالي المخيم مرور الجريمة بصمت، فاندلعت شرارة الانتفاضة من مخيم جباليا يوم 8 كانون الأول/ديسمبر 1987، لتتوسع سريعاً نحو جميع مخيمات ومدن قطاع غزة، ثم تمتد إلى مخيم بلاطة في نابلس، وتشتعل في كامل الضفة الغربية والقدس وسائر الأرض الفلسطينية المحتلة، وصولاً إلى الفلسطينيين في المنافي والشتات.
الحجارة كرمز كفاح فلسطيني والانتفاضة كتكريس للوحدة
وكرست الانتفاضة الأولى، الحجارة، كرمز جديد للكفاح الفلسطيني، حين استخدمها الفلسطينيون كسلاح دفاع وهجوم، فأصبحت رمز الانتفاضة، وصار الأطفال الفلسطينوين يُعرفون باسم "أطفال الحجارة".
وبرغم القوة العسكرية الهائلة التي دفع بها الاحتلال، عجزت قواته عن السيطرة على مخيم جباليا الذي كان مركزاً للاشتعال الشعبي.
كما أحدثت الانتفاضة، حالة عميقة من الوحدة بين المخيمات والقرى والمدن، حيث كان التكبير والتهليل يصل من جباليا إلى بيت لاهيا وبيت حانون طوال الليل، وخلال مطاردات الاحتلال، كان الأهالي يحتضنون المطاردين في منازلهم.
كما استخدم الشبان أساليب مقاومة بسيطة أربكت كيان الاحتلال ووضعته أمام أزمة عميقة، أبرزها إشعال إطارات السيارات في الأزقة الضيقة لتعطيل تقدم مركبات الاحتلال، خاصة جيبات "البور" التي كانت تحترق بالكامل عند مرورها فوق الإطارات المشتعلة.
وسرعان ما امتدت الانتفاضة من مخيمات غزة، إلى مخيمات ومدن وقرى الضفة الغربية، وحطّت في مخيم بلاطة كمحطة أولى في الضفة المحتلّة، والذي شكّل نقطة فارقة في توسع وتمدد الانتفاضة الفلسطينية.
وفق إحصاءات حقوقية، قدّم الشعب الفلسطيني خلال 79 شهراً من الانتفاضة ما بين 1987 و1994، نحو 1376 شهيداً، و 210 الاف حالة اعتقال، في قمع واسع حاول الاحتلال من خلاله انهاء الانتفاضة.
الّا أنّه حين فشل في ذلك، لجأ الى الوسائل السياسية كاضطراره لخوض مفاوضات مع منظمة التحرير والتي أفضت الى بروز "السلطة الفلسطينية" والتي شكلت حالة من الانقسام الداخلي بين من اعتبر المفاوضات لم تنتزع ما يجب انتزاعه من حقوق، ترقى الى مستوى تضحيات الشعب الفلسطيني في انتفاضته، وبين من رآها ثمرة قطفتها قيادة ياسر عرفات للثورة الفلسطينية.
ورغم تراجعها بعد قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994 نتيجة تغير المسار السياسي، بقيت انتفاضة الحجارة علامة خالدة في التاريخ الفلسطيني، حيث إنها أعادت الاعتبار للنضال الشعبي وللمبادرة الشعبية في الداخل المحتل، بعد أن كانت الثورة قوامها عسكّري ومن خارج الاراضي المحتلّة، كما رسّخت وحدة الشعب رغم الشتات الجغرافي، وأكّدت أن الفلسطينيين قادرون على صناعة التحوّل بمبادرة شعبية خالصة.
وفي الذكرى الـ38، يستذكر الفلسطينيون تلك الأيام بوصفها مرحلة مجدٍ وكرامة وعنفوان، ويستحضرون رموزها ودماء شهدائها وصمود مخيماتها التي صنعت واحدة من أهم محطات التاريخ الفلسطيني الحديث.
