شهدت الساعات الماضية تصاعداً في الإدانات الدولية لاقتحام قوات الاحتلال "الإسرائيلي" مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في حي الشيخ جراح شرقي القدس المحتلة، في خطوة أُجمِعَ على أنها "خرق فاضح وغير مسبوق" للحصانة الأممية وللقانون الدولي.
الاقتحام، الذي رافقته عمليات مصادرة للممتلكات ورفع العلم "الإسرائيلي" مكان علم الأمم المتحدة، فجّر موجة ردود فعل رسمية وحقوقية وإقليمية ودولية، في ظل تحذيرات من أنّ "إسرائيل" تسعى إلى تعطيل عمل الوكالة وتمهيد الطريق لتصفيتها نهائياً.
إدانات دولية واسعة
تركيا أصدرت بياناً رسمياً أدانت فيه "اقتحام إسرائيل واستيلاءها على مبنى الأونروا"، معتبرة ذلك "انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي ولحصانة المنشآت الأممية".
وشددت أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 نصّ بشكل صريح على التزام "إسرائيل" بتسهيل عمل "أونروا" لا إعاقته، مؤكدة أنّ استمرار الوكالة "أمر حيوي لحماية حق العودة ولجهود السلام"، ودعت أنقرة المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات رادعة ودعم الوكالة.
قطر بدورها أدانت بشدة الاقتحام، واعتبرته "تحدياً سافراً للإرادة الدولية وخرقاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني". وحذّرت وزارة الخارجية القطرية من أنّ "الاستهداف الممنهج لوكالة "أونروا" يهدف لتصفيتها وحرمان ملايين الفلسطينيين من خدماتها"، داعية المجتمع الدولي للاصطفاف بحزم ضد هذه الممارسات.
وجددت الدوحة دعمها الكامل لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على حدود 1967 وعاصمتها شرقي القدس.
أما البرازيل، التي تترأس اللجنة الاستشارية للوكالة، فأدانت "بأشد العبارات" الاقتحام الذي وقع في الثامن من الشهر الجاري، مؤكدة أنّ ما جرى يمثل "خطوة أخرى في تصعيد الضغوط التعسفية وغير القانونية" لإعاقة عمل الوكالة.
وأشارت إلى أنّ استبدال علم الأمم المتحدة بالعلم "الإسرائيلي" "انتهاك صارخ لالتزامات إسرائيل".
واستناداً إلى الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية عامي 2024 و2025، دعت برازيليا "إسرائيل" إلى إخلاء المرافق فوراً واحترام تفويض الوكالة المجدّد حديثاً في الأمم المتحدة.
الأمم المتحدة: انتهاك خطير للحصانة الأممية
فريق الأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة أصدر بياناً شديد اللهجة، أكد فيه أنّ دخول الشرطة ومسؤولي بلدية الاحتلال بالقوة إلى مقر الوكالة، يعد "انتهاك خطير لاتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام 1946".
وشدد البيان على أنّ مباني الوكالة محمية من أي تفتيش أو ضبط أو تدخل من أي سلطة، داعياً "إسرائيل" إلى "استعادة حرمة منشآت الأمم المتحدة والامتناع عن أي إجراءات أخرى ضدها".
منظمات حقوقية وشخصيات دولية تستنكر
الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية "أنييس كالامارد" وصفت ما جرى بأنه "استخفاف مفرط بالقانون الدولي وبحياة الفلسطينيين"، معتبرة أنّ "إسرائيل" "طردت الأونروا فعلياً منذ يناير" وأنّ ما حدث هو استكمال لسلسلة من الإجراءات القمعية.
أما اللجنة الإسبانية لمساعدة اللاجئين فأعربت عن دعمها للوكالة وقالت في تغريدة: "ضحية هجوم جديد ضد التضامن الدولي والمنظمات التي تحمي حقوق الشعب الفلسطيني".
وفي بروكسل، أكدت عضو البرلمان الأوروبي "كاثلين فان بريمبت" أن الهجوم على مكتب الأمم المتحدة "انتهاك صارخ آخر للقانون الدولي"، مطالبة بضمان قدرة موظفي "أونروا" على تقديم المساعدات الإنسانية دون عرقلة.
"أونروا" تكشف تفاصيل الاقتحام
من جهتها، كشفت مدير مكتب إعلام الوكالة في الضفة الغربية والناطق باسمها عبير إسماعيل تفاصيل ما جرى داخل المقر، مؤكدة أن الشرطة "الإسرائيلية" استعانت برافعة شوكية وشاحنات لنقل ممتلكات من داخل المبنى، وصادرت أثاثاً ومعدات تكنولوجية، بينها كاميرات مراقبة وحواسيب ومخازن حديد متنقلة، وقامت باستجواب أفراد الحراسة، إضافة إلى رفع العلم "الإسرائيلي" مكان علم الأمم المتحدة.
وأوضحت إسماعيل أن المبنى كان "خالياً من الموظفين والمحتوى التشغيلي منذ فترة طويلة"، بعد حظر عمل الوكالة في القدس وعدم تجديد إقامات موظفيها الدوليين الذين غادروا مطلع شباط/فبراير الماضي. كما أكدت أنّ بيانات اللاجئين الفلسطينيين آمنة بالكامل، وأن الملفات نُقلت سابقاً إلى مقرات مختلفة، خصوصاً في عمّان.
وقالت: إن الاقتحام "خرق كبير للقانون الدولي ويتطلب تحركاً عملياً لوقف الاعتداءات"، مشيرة إلى أنّ المبنى "منشأة أممية مملوكة للحكومة الأردنية" سبق أن تعرض لمحاولات اقتحام من مستوطنين وقوات الاحتلال العام الماضي.
وذكرت أنّ الوكالة تسير في مسارها القانوني لاستعادة عملها في القدس من خلال مركز "عدالة" الذي يتولى الدفاع القانوني عنها، مؤكدة استعداد "أونروا" للعودة للعمل "فور حصولها على الضوء الأخضر القانوني والسياسي".
وختمت بالتشديد على أن "جميع الاتهامات التي استُخدمت لتقييد عمل الوكالة واهية ولا تستند إلى أدلة"، خاصة بعد تجديد ولايتها لثلاث سنوات إضافية في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخامس من الشهر الجاري.
