تتفاقم الأوضاع الإنسانية لنحو 10 آلاف نازح هجّرهم جيش الاحتلال قسرًا من مخيم نور شمس شمالي الضفة الغربية على مدار 11 شهرًا من العدوان المستمر، وسط معاناة مأساوية للعائلات التي لم تتلقَّ أي تعويض أو دعم محلي عمّا فقدته من منازلها ومصادر رزقها، في وقت تعجز فيه عن تلبية احتياجاتها الحياتية مع غياب الجهود الإغاثية الكافية.
ويؤكد رامي عليان، أمين سر اللجنة الشعبية لخدمات مخيم نور شمس، في حديثه لموقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين، أن المخيم بات خاليًا بالكامل من سكانه، حيث أجبرت قرابة 2100 عائلة، أي ما يزيد عن 10 آلاف فرد، على النزوح إلى مناطق مختلفة خارج المخيم، في وقت لا يتواجد فيه داخله فعليًا سوى قوات الاحتلال.
وينفي عليان وجود أي دوافع عسكرية أو أمنية لتنفيذ عمليات الهدم التي ينفذها الاحتلال، كما ورد في أوامر الهدم الأخيرة لـ25 منزلًا إضافيًا داخل المخيم، مؤكدًا أن الذرائع التي يسوقها جيش الاحتلال لا تستند إلى أي واقع ميداني.
وأوضح أن الاحتلال يسعى بشكل ممنهج إلى إفراغ المخيم من سكانه وتحويله إلى ضاحية تابعة للمدينة، في محاولة لشطب قضية اللجوء وإنهاء الطابع الرمزي والسياسي للمخيم، مشددًا على أن عمليات الهدم لا تستهدف حالات فردية، بل تطال البنية السكنية والاجتماعية للمخيم بأكملها.
وأشار عليان إلى أن عدد العائلات التي هدمت منازلها أو أحرقت، إضافة إلى المنازل المقرر هدمها لاحقًا، يبلغ نحو 600 عائلة. ولفت إلى أن الاحتلال أجرى تنسيقًا محدودًا لبعض العائلات المدرجة أسماؤها ضمن أوامر الهدم، إلا أن هذا التنسيق لم يتجاوز ثلاث ساعات، وهي مدة غير كافية لإخراج المقتنيات الأساسية، ما اضطر العديد من العائلات إلى ترك ممتلكاتها داخل المنازل المهددة أو المدمرة. كما منعت بعض العائلات من الدخول إلى المخيم بسبب "رفض أمني".
ووصف عليان أوضاع النازحين بالمأساوية، موضحًا أن معظم العائلات باتت بلا مصدر دخل، وتتحمل أعباء مالية جديدة تشمل الإيجار والكهرباء والمياه، في ظل نزوح مستمر منذ 11 شهرًا.
وأضاف أن العائلات النازحة لم تتلقَّ خلال هذه المدة الطويلة من رحلة التشريد سوى بدل إيجار قدم للبعض فقط، ولم يتجاوز 3 آلاف شيقل ولمرة واحدة، فيما لم تتلقَّ عائلات أخرى أي مساعدة مالية على الإطلاق.
وأكد أن التدخلات الحكومية ما زالت محدودة، ولا تلبي حجم الاحتياج، مشيرًا إلى أن أكثر ما يحتاجه النازحون حاليًا هو تأمين بدل إيجار ثابت أو حلول إيواء مناسبة، خاصة أن الدعم المخصص لهذا الغرض لم يُصرف سوى لثلاثة أشهر فقط، رغم استمرار النزوح لأكثر من 11 شهرًا.
وبيّن أن اللجنة الشعبية لخدمات المخيم، ومنذ الأيام الأولى للنزوح، شكّلت لجان طوارئ في مختلف مناطق تواجد العائلات النازحة، بهدف تسهيل التواصل وتسريع الاستجابة الإغاثية قدر الإمكان، في ظل غياب منظومة دعم شاملة.
وكانت المحكمة العليا التابعة للاحتلال "الإسرائيلي" قد صادقت منذ أيام على تنفيذ أوامر هدم بحق 25 بناية سكنية في مخيم نور شمس، رغم إقرار الجهات الرسمية لدى كيان الاحتلال بأن هذه المباني مدنية، ولا تستخدم لأي أغراض عسكرية.
وقال مركز "عدالة" الحقوقي إن المحكمة رفضت الالتماس الذي تقدّم به سكان من المخيم والمناطق المجاورة، بالتعاون مع المركز، للطعن في أوامر الهدم، مستندة إلى مواد ومعلومات سرية قدّمتها النيابة العامة بالتنسيق مع المخابرات العسكرية، دون إطلاع الملتمسين أو طاقم الدفاع عليها.
وأوضح المركز أن المحكمة تبنّت ادعاءات جيش الاحتلال بوجود "حاجة عسكرية مبررة"، رغم إقرار النيابة العامة خلال جلسات النظر في الالتماس بأن المباني المستهدفة هي منازل سكنية مدنية تعود لعائلات لا تربطها أي صلة بنشاط عسكري، وأن تبرير الهدم يرتبط فقط بتسهيل تحركات عسكرية مستقبلية داخل المخيم، وليس بضرورة عسكرية قائمة أو ملحّة.
وأشار "عدالة" إلى أن المحكمة قررت تأجيل تنفيذ أوامر الهدم إلى ما بعد 27 كانون الأول/ديسمبر 2025، محذرًا من أن هذا القرار يكرّس واقعًا دائمًا من التهجير القسري المحظور بموجب القانون الدولي الإنساني، ويمنع عودة السكان إلى منازلهم.
وأكد المركز أن جميع المتضررين يُعدّون مدنيين محميين، وأن ممتلكاتهم مشمولة بالحماية القانونية، مشددًا على أن المصادقة القضائية على الهدم تأتي ضمن سياسة أوسع تستهدف مخيمات شمال الضفة الغربية، وعلى رأسها مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، في انتهاك صارخ لقواعد حماية المدنيين.
ومنذ مطلع العام الماضي، يشنّ جيش الاحتلال عدوانًا شاملًا على مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين شمالي الضفة الغربية، ما أسفر عن موجات نزوح واسعة ودمار كبير في البنية التحتية والمنازل، وسط تحذيرات حقوقية من فرض واقع دائم من التهجير القسري.
