لبنان - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
زينب زيّون
تقع العديد من الفتيات ضحية الزواج المبكر، في سن لا يصل إلى الخامسة عشر. وهذه الظاهرة موجودة في مجتمعنا الفلسطيني، خصوصاً في الشتات، بحيث يتم تزويج الفتاة التي لا تُعدّ، قانونياً، مؤهّلة للموافقة على الزواج لعدم اكتمال بنيتها الجسدية ونموها العاطفي والجنسي والنفسي ولعدم استعدادها لدخول القفص الذهبي.
ولعلّ أقبح ما تواجهه الفلسطينيات في لبنان، هو الزواج في سنّ مبكر، والذي يسلب منهنّ الطفولة الجميلة، تحت غطاء العادات والتقاليد، وتحت مسمّى "السترة".
ضحايا الزواج المبكر يروين قصصهنّ:
يسر عجينة، لاجئة فلسطينية في مخيّم شاتيلا، واحدة من ضحايا الزواج المبكر، دخلت القفص الذهبي بعمر 14 عاماً، تقف الآن على أطلال ما فات من سنين عمرها، مستذكرةً أيام لعبها مع صديقاتها قبل أن تكون زوجة أو أماً.
تقول يسر، في حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنها قبلت الزواج من أول رجل تقدم لها، للتخفيف من أعباء الحياة الصعبة التي كانت تعيشها عائلتها، في ظلّ الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، التي تحدّق بمعظم العائلات الفلسطينية في لبنان.
لا ترى يسر حرجاً في تزويج ابنتها في سن صغير، معتبرة أن الأمر "سترة للبنت، والدين حلّل زواجها".
يسر ليست الوحيدة من بين اللاجئات في لبنان، اللواتي تزوجن مبكراً، فالكثير منهن يعشن مرارة الزواج المبكر، إلا أن قصصهن تبقى طي الكتمان.
قصص وحكايات أخرى ترويها نساء، لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، من بينهن أم علي، البالغة من العمر 85 سنة، والتي تعيش وحيدة في منزلها الكائن بمخيّم شاتيلا.
تقول أم علي: "لم أتزوّج برغبتي، فظروف اللجوء آنذاك، أجبرتني على القبول بهذا الزواج". مشيرة إلى أنّ "البنت بتطلب السترة، والسترة ما بتلاقيها إلا ببيت زوجها، هيك حكالي والدي".
وعن زواجها، قالت أم علي: "تزوّجت وأنا في الثالثة عشر من عمري، لم أكن أعرف شيئاً عن الزواج، سوى أنّ العروس ترتدي الفستان الأبيض وتنتقل من بيت أهلها لتعيش في منزل آخر". موضحةً أنّ "أسباباً عديدة تدفع بالأهل إلى تزويج الفتاة بعمر صغير، فالفقر والعادات والتقاليد، تُعدّ من أبرز الأسباب التي تدفع بالأهل إلى تزويج بناته في عمر صغير، أوّلها التخلص من مصروفهن، ونفقاتهنّ".
"مجتمعنا الفلسطيني، يعتمد على الموروث الاجتماعي المرتبط بتزويج الفتيات بعمرٍ صغير، كجزء من العادات المتعارف عليها"، جملة ابتدأت بها غادة عثمان، لاجئة في مخيّم مار الياس، كلامها، واصفة زواج القاصرات بـ "الجهل الفكري".
غادة التي تركت المدرسة مبكراً، تزوّجت بعمر 17 سنة، لم تكن تعي أنها غير جاهزة لتحمل مسؤولية زوج وأبناء، وغيرها من المسؤوليات العائلية. تقول غادة إنّها ذاقت مرارة الزواج المبكر، المنتهك للطفولة، لذا فهي حريصة على تعليم ابنتها أولاً لتثبت نفسها في المجتمع، وتحقق ما لم تستطع غادة الوصول إليه.
زواج القاصرات وأضراره على صحة الفتاة النفسية والجسمانية:
وفي هذا الصدد، قالت المعالجة النفسية حنان أبو حوسة، إنّ "الزواج في سن مبكر يقتل الطفولة، كما يُخسر الأطفال مستقبلهم"، مشيرة إلى أنّ "ظروف التربية في مجتمعاتنا المغلقة تعزز الزواج المبكر، تحت رداء الطابع الديني الاجتماعي".
وأوضحت أبو حوسة أنّ "زواج القاصرات يُعد شكلاً آخر من أشكال العنف الممارس ضد الأطفال، فتلك الفتيات لا يعطين الفرصة الحقيقية للاختيار، وبعد بلوغهنّ سنّ الرشد، ستتغير صورة الزوج المثالي للفتاة، وسيصير الندم وقود ذلك الزواج".
أما بالنسبة للآثار المترتبة على زواج القاصرات، قالت أبو حوسة إنّ "للزواج المبكر آثار سلبية عديدة، إذ يمكن حصول اضطرابات نفسيّة خطيرة عند الفتاة القاص، وذلك لأنها غير مستعدة لهذا التغير المفاجئ، أي الانتقال من مرحلة الطفولة إلى النضوج بشكل مباشر، ودون المرور في المراحل العمرية العادية".
ومن الناحية الاجتماعية، قالت أبو حوسة: "تشعر الفتاة بأنها لا تمتلك شخصية خاصة بها، وذلك لشعورها بالحرمان من أبسط حقوقها في الحياة، وهي لا تمتلك الثقافة الكافية لتربية أطفالها، فهي بمرحلة عمريّة غير مناسبة لتحمل هكذا مسؤولية".
وفيما يتعلّق بآليات الحدّ من هذا الزواج، أشارت أبو حوسة إلى أنّه "هناك برامج توعوية وتدريبات وأنشطة، تقوم بها الجمعيات والمؤسسات الأهلية، للتخفيف من حدّة هذه الظاهرة في المخيمات الفلسطينية بلبنان، لكنّها بحاجة إلى تفعيل ودعم أكبر، بغية تكثيف حملاتها وتنظيمها، ولتقوم بدورات توعوية أدق وأكثر استهدافاً للفتيات في مراحل ما قبل التسرب من المدارس، والزواج والتزويج".