يستذكر اللاجئون الفلسطينيون من أبناء مخيّم اليرموك في الخامس من كانون الثاني\ يناير من كلّ عام، مجزرة حاجز "علي الوحش" جنوب العاصمة السوريّة دمشق التي وقعت عام 2014، وراح ضحيتها مابين 1200 إلى 1500 سورياً وفلسطينياً بين قتيل ومفقود، على أيدي جيش النظام السوري وميليشيات طائفيّة موالية له.
وبدأت المجزرة، إبان إحكام جيش النظام السوري والميليشيات الموالية له، حصارها على مناطق جنوب العاصمة دمشق، وشملت مخيّم اليرموك وبلدات يلدا، ببيلا، بيت سحم التي كانت تحت سيطرة قوات المعارضة السوريّة المسلّحة حينذاك. في فترة شهدت العديد من حالات الموت برداً وجوعاً جرّاء الحصار، ومنع حركة الدخول والخروج وإدخال المواد الغذائيّة والأدوية إلى تلك المناطق من قبل النظام السوري.
بعد أشهر من الحصار والجوع، أشاعت قوات النظام السوري للمدنيين، عبر ما كانت تسمّى حينها " لجان المصالحة" أنّ النظام سيسمح للمدنيين بالعبور إلى خارج البلدات المُحاصرة، عبر حاجز أقيم على الطريق الواصل بين بلدة يلدا وبلدة حجيرة المجاورة عند تقاطع يسمّى باسم الشهيد "علي الوحش" الذي اتخذ الحاجز اسمه، وكان يضم جنوداً بجيش النظام، وعناصر ميليشياوية طائفيّة من العراق ولبنان، حسبما أكّد شهود عيان ونُجاة بعضهم يرفض الحديث العلني، خوفاً على أسرههم التي ما تزال تعيش في دمشق.
وعند خروج الأهالي ووصولهم عند الحاجز، بدأت قوات النظام والعناصر الميليشياوية، بإطلاق النار بالهواء، ثم عمدت على فرز الموجودين، حيث حيّدت النساء والأطفال على حدى، والرجال والشبّان على جانب آخر، و جرى اقتياد الكثير منهم في عمليات اعتقال جماعيّة، فيما جرى احتجاز آخرين في محال ومستودعات مجاورة للحاجز، وسط تأكيدات بممارسة عمليات تصفية ميدانية واسعة في أماكن الاحتجاز، إضافة إلى انتهاكات وجرائم اغتصاب وانتهاك بحق نساء.
وفي شهادة نقلها الحقوقي الفلسطيني أيمن أبو هاشم ونُشرت في موقع : مع العدالة" في نيسان\ أبريل 2019، كشف أحد النجاة من اعتقال من موقع المجزرة دام خمس سنوات ( محمود ، ح ، ش ) عن حقائق كثيرة تم إخفاؤها حول مصير مئات المعتقلين على خلفية تلك المجزرة.
يقول: " في 5/1/ 2014، وضعوني في غرفة مغلقة قرب الحاجز مع شبان آخرين، وأخذونا معصوبي الأعين في باصات، إلى مكان احتجاز يطلق عليه فرع ميسلون في ضواحي دمشق، وهو في الحقيقة مسلخ بشري بكل ما للكلمة من معنى، مكثت فيه أربع سنوات وثمانية أشهر، قبل إحالتي إلى فرع التحقيق العسكري لمدة شهرين، ثم إلى سجن عدرا ومنه تم إطلاق سراحي في الشهر الأول من عام 2019."
ويتابع :" في فرع ميسلون كنت أحد المكلفين يومياً مع آخرين بإخراج جثث المعتقلين من المهاجع، ووضعها في سيارات نقل عسكرية مغطاة بشادر، وكان المعدل الأسبوعي لضحايا التعذيب في هذا المسلخ الفظيع، ما بين 50 إلى 60 ضحية. "
ويضيف: "عرفت تدريجياً خلال تنقلي بين المهاجع، أن نسبة كبيرة من المعتقلين داخل الفرع، أتوا بهم من حاجز علي الوحش في ذلك اليوم المشؤوم وأنا منهم. وفي فرع التحقيق العسكري علمت خلال توقيفي به من معتقلين آخرين، أن أعداداً من معتقلي الحاجز، تم تصفيتهم أيضاً في هذا الفرع الذي كان من نصيبهم، عدا عن أعداد أخرى تم نقلها إلى فرع فلسطين."
وفي تعقب أبو هاشم على الشهادة، يشير إلى أنّها "ارتكبت على مراحل، وأن العدد الأكبر من ضحايا المجزرة، سقطوا تباعاً تحت التعذيب في الأفرع الأمنية التي نقلوا إليها، وأن من تم إعدامهم فورياً يوم خروج المدنيين إلى الحاجز، ويقدرون بحوالي "250" ضحية، كانوا النسبة الأقل من العدد الإجمالي للضحايا، علماً أن التغطية الصحفية والإعلامية حول المجزرة، اقتصرت على ضحايا يومها الأول. في حين أن مصير العدد الأكبر، كان التغييب في مسالخ النظام، وعلى قوائم الموت تحت التعذيب الذي حصد غالبيتهم."
ويقبع في معتقلات النظام السوري نحو 1800 لاجئ فلسطيني وفق أرقام استطاعت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" توثيقها منذ بدء الأحداث السوريّة عام 2011، فيما تُشير مصادر أخرى إلى بلوغه أكثر من الفي معتقل، وسط انعدام الأخبار حول أوضاعهم وظروف اعتقالهم، وغياب الشفافية ومنع المنظمات الدوليّة وذوي المعتقلين من الحصول على معلومات حول المعتقلين.
فيما تبقى مجزرة "علي الوحش" من الملفات التي تعرّضت للكثير من الطمس والإخفاء، وسط خوف الكثير من ذوي اللاجئين والنجاة الإفصاح عن ذويهم المفقودين والضحايا، خشية الملاحقة الأمنية.