أحيت مؤسسة "صديم" اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية بمعرضٍ تراثي أقيم في خان أسعد باشا في قلب سوق البزورية بدمشق القديمة، احتفاءً بالتراث الفلسطيني بوصفه ركنًا أساسيًا في الحفاظ على الهوية الوطنية في وجه محاولات كيان الاحتلال طمسها وسرقتها. وقد غمرت أجواء المعرض الألوان الفلسطينية والنقوش المطرّزة العريقة الضاربة في جذور الهوية العربية الفلسطينية.
وافتتح المعرض يوم الأحد 26 تشرين الأول/أكتوبر، وضمّ أعمالًا يدوية ومطرزات وفنونًا تراثية فلسطينية تعكس أصالة الحرف القديمة ودلالاتها الثقافية، بمشاركة نساء فلسطينيات وسوريات جمعتهنّ رسالة واحدة: صون الذاكرة وحماية الإرث الوطني من الاندثار.
البدوي: التراث سلاح المرأة في مواجهة محو الهوية
مديرة مؤسسة "صديم" هدى البدوي أوضحت في حديثها لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أن تنظيم المعرض في هذا اليوم جاء لتسليط الضوء على المرأة الفلسطينية ودورها التاريخي في حفظ التراث ومقاومة محاولات طمسه، وقالت: "المرأة الفلسطينية تعاني ما تعانيه في ظل الاحتلال، ويُعدّ التراث أحد أدوات الصراع على الهوية والجذور. فهو تراث كنعاني متجذر في هذه الأرض، عملت عليه المرأة الفلسطينية جيلاً بعد جيل".
وأضافت البدوي: مشروع "المطرزات" الذي تديره المؤسسة يهدف إلى الحفاظ على التراث وإبقائه حيًا في ذاكرة الأجيال، إلى جانب تمكين السيدات اقتصاديًا، موضحةً: "يعمل في المشروع حاليًا أربعون سيدة يعِلن أربعين أسرة، ونخصص جزءًا من المردود المالي لمساعدة المرضى والطلاب وكفالة الأيتام. نحن نعمل من قلب الواقع الفلسطيني، ونسعى لتخفيف معاناة أهلنا وترسيخ حضور التراث في حياتنا اليومية، وفي ضمير كل جيل قادم".

تلاقٍ بين الحضارتين الفلسطينية والسورية
من جانبها، تحدثت المشاركة مايا بدوي عن أهمية إقامة المعرض في خان أسعد باشا، معتبرةً أن هذا المكان التاريخي يجسد روح التلاقي بين التراثين الفلسطيني والدمشقي، وقالت: "أقمنا معرضنا في خان أسعد باشا لدمج التراث الفلسطيني مع التراث والحضارة السورية، لما بين نابلس ودمشق القديمة من تشابه كبير. هذا المعرض رسالة وحدة، نؤكد من خلالها أن بلاد الشام أرض واحدة تجمعها الروح والتاريخ".
وأضافت بدوي أن إحياء التراث الفلسطيني هو في جوهره رسالة مقاومة، وقالت:"ما دمنا نحافظ على تراثنا فنحن موجودون، وسنبقى بعد ألف عام حتى يتحقق التحرير الكامل لوطننا بإذن الله".
أما بيكا زكريا الغزي من مخيم خان دنون، وهي إحدى المشاركات في المعرض، فشدّدت على ضرورة نقل المهارات التراثية إلى الأجيال الجديدة، وقالت:"هذا التراث يجب أن يبقى حيًا، تعلمناه وأتقناه لأن الحفاظ عليه واجب وطني. يجب أن يعرف الجيل الجديد أن كل غرزة في المطرزات هي جزء من تاريخ فلسطين، وأن الدفاع عن التراث هو شكل من أشكال الدفاع عن الأرض".

قبيعة: المعرض مواجهة ثقافية مع الاحتلال
بدوره، أكّد صائب قبيعة، أحد الحاضرين في المعرض، لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أن الحفاظ على التراث الفلسطيني ضرورة وطنية لمواجهة الحرب الثقافية التي يشنّها الاحتلال "الإسرائيلي"، وقال:"العدو الصهيوني لا يحاربنا بالسلاح فقط، بل في ثقافتنا أيضًا، إذ يسعى إلى سرقة الأكلات الشعبية الفلسطينية واللباس التقليدي وادعاء ملكيتها. من هنا تأتي أهمية إقامة مثل هذه المعارض لتأكيد هويتنا وحقنا في تراثنا".
وأوضح قبيعة أن اختيار دمشق القديمة لإقامة المعرض بدلًا من مخيم اليرموك جاء لأسباب لوجستية، مشيرًا إلى أن إقامة معارض مماثلة في المخيمات المهدّمة مستقبلًا سيكون عملًا إحيائيًا يعيد الأمل والذاكرة لتلك الأماكن.
السودي: التراث نضال وذاكرة
وفي حديثٍ لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، شدّد الإعلامي محمود السودي على أن الحفاظ على التراث شكل من أشكال النضال الوطني، قائلًا: "من المهم أن يقام مثل هذا المعرض في كل زمان ومكان، لأن التراث الفلسطيني لم يغب يومًا عن وجداننا. هو وسيلة لنُعرّف العالم بمدننا وعاداتنا وتقاليدنا، ولنؤكد أن لكل مدينة فلسطينية لونها وتراثها الخاص الذي يجسد هويتها".
واعتبر السودي أن نشر الفلكلور الفلسطيني في المناسبات الثقافية رسالة نضالية بحد ذاتها، تهدف إلى ترسيخ الهوية الوطنية وتجسيد الشخصية الفلسطينية أمام العالم.
بهذا، شكّل المعرض التراثي في خان أسعد باشا أكثر من مجرد احتفاء باليوم الوطني للمرأة الفلسطينية؛ إذ جاء صرخة فنية وثقافية في وجه محاولات الطمس والسرقة، وتجسيدًا لوحدة الأرض والذاكرة بين فلسطين وسوريا، حيث تتقاطع النقوش المطرّزة بأمل التحرير وصمود المرأة الفلسطينية التي تحمل الهوية في خيوط المطرزات كما في قلبها.
شاهد/ي التقرير
