واصلت قوات جيش الاحتلال، صباح اليوم الاثنين 15 كانون الأول/ديسمبر، خرق اتفاق وقف إطلاق النار عبر تنفيذ غارات جوية وتصعيد ميداني متواصل في قطاع غزة، في وقت تتفاقم فيه الكارثة الإنسانية والصحية، مع تسجيل آلاف حالات البتر التي تنتظر التأهيل والعلاج في ظل شح الإمكانيات وانهيار المنظومة الصحية.
وأفادت مصادر محلية بأن جيش الاحتلال شن غارات جوية استهدفت مناطق تقع وراء الخط الأصفر شرقي مدينة غزة، في تصعيد جديد لعمليات العدوان. ووسط القطاع، فجر جيش الاحتلال مدرعة مفخخة شمال شرق مخيم البريج، بينما أطلق الطيران المروحي نيرانه شرقي مدينة خان يونس جنوبي غزة، وسط تحليق مكثف، وتصاعد في وتيرة العمليات العسكرية.
90% من المباني مهددة بالسقوط شمال مدينة غزة
في شمال غربي مدينة غزة، حذر الدفاع المدني من كارثة وشيكة، حيث قال المتحدث باسمه محمود بصل إن 90% من المباني القائمة في منطقة الشيخ رضوان باتت آيلة للسقوط جراء الأضرار الجسيمة التي لحقت بها نتيجة القصف المتواصل، ما يهدد حياة من تبقى من السكان في المنطقة.
وفي الأثناء، أعلن الدفاع المدني الفلسطيني بدء عمليات انتشال الشهداء من تحت أنقاض المنازل الصغيرة المدمرة في مدينة غزة، بمشاركة واسعة من الهيئة العربية لإعادة إعمار غزة، ولجنة الطوارئ، وإدارة الاستجابة السريعة، والأدلة الجنائية، والطب الشرعي، ووزارتي الصحة والأوقاف، وذوي الشهداء، وتجمع القبائل.
وأوضح الدفاع المدني أن عمليات البحث تركزت تحت أنقاض منزل عائلة "أبو رمضان" الذي كان يضم نحو 60 شخصًا، بينهم أطفال ونساء وكبار سن، مؤكدًا أن طواقمه تعمل بأدوات بدائية، وتحتاج بشكل عاجل إلى 20 باقرًا و20 حفارًا لانتشال آلاف الجثامين العالقة تحت الركام وتمكين ذويها من دفنها بكرامة.
وكانت طواقم الدفاع المدني في مدينة غزة قد تمكنت من انتشال 14 جثمانًا لشهداء من تحت أنقاض منزل عائلة سالم، الذي دمره جيش الاحتلال خلال عدوانه على المدينة. وتأتي عمليات البحث والانتشال وسط ظروف صعبة وإمكانات محدودة، في إطار الجهود الإنسانية المتواصلة لانتشال جثامين الشهداء العالقين تحت الركام تمهيدًا لدفنهم بما يليق بكرامتهم، وفق بيان الدفاع المدني.
ويواصل جيش الاحتلال التنصل من التزامات اتفاق وقف إطلاق النار، وسط قيود يفرضها على دخول المساعدات الإنسانية بالكمية المتفق عليها بما يعادل 600 شاحنة يوميًا، ما يفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة. وقد أكدت مفوضة الاتحاد الأوروبي للتعاون الدولي والمساعدة الإنسانية ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مشددة على أهمية التدخل السريع لتخفيف معاناة المدنيين في ظل الأزمة الراهنة.
وزارة الصحة: انتشار كبير للأمراض المعدية في غزة
ويواجه القطاع الصحي ضغطًا غير مسبوق منذ إعلان وقف إطلاق النار، نتيجة الارتفاع الكبير في أعداد المرضى المترددين على المستشفيات، ولا سيما من فئة الأطفال، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
وأفاد المتحدث باسم الوزارة خليل الدقران بأن الأمراض المعدية، وخاصة أمراض الجهازين التنفسي والهضمي، تشهد انتشارًا واسعًا بين الأطفال، ما أدى إلى تضاعف الضغط على المرافق الصحية، مشيرًا إلى أن أعداد المراجعين تفوق القدرة السريرية للمستشفيات بنحو أربعة أضعاف عدد الأسرة المتوفرة.
وأضاف الدقران أن هذا الواقع الصحي الصعب يتزامن مع توقعات بظروف مناخية قاسية خلال فصل الشتاء، تشمل موجات برد وأمطار ورياح شديدة، ما ينذر بمزيد من التحديات أمام القطاع الصحي وقدرته على الاستجابة لاحتياجات المرضى.
وفي سياق ذي صلة، قال المتحدث باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة، رائد النمس، إن أكثر من نصف سكان قطاع غزة يعيشون في خيام مهترئة في ظل المنخفضات الجوية القاسية، مشيرًا إلى أن الأمطار والسيول جرفت أكثر من 20 ألف خيمة، ما فاقم معاناة النازحين. وأكد النمس تسجيل ضحايا نتيجة البرد الشديد وانهيار المنازل، لافتًا إلى أن مليونًا ونصف المليون نازح باتوا دون مساكن أو أماكن تؤمن الحد الأدنى من مقومات الحياة.
وأضاف أن طواقم الهلال الأحمر تواجه صعوبات كبيرة في تقديم الخدمات بسبب ضعف الإمكانيات، رغم استمرارها في تلبية نداءات الاستغاثة وتوزيع سيارات الإسعاف جغرافيًا لتغطية أكبر عدد ممكن من الحالات.
آلاف الجرحى ينتظرون إعادة التأهيل وسط نقص الإمكانيات الطبية
قال مدير مستشفى التأهيل في مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني، الدكتور طارق الحفني: إن القسم يستقبل حاليًا نحو 100 جريح ومريض يعانون من إعاقات حركية ويتلقون العلاج والتأهيل، فيما ينتظر آلاف الجرحى الآخرين دورهم؛ بسبب عدم وجود مراكز تأهيل أخرى قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة.
وأوضح الحفني لوكالة الأناضول أن إغلاق المعابر ومنع سفر نحو 20 ألف جريح للعلاج في الخارج فاقم الأزمة، وزاد الضغط بشكل كبير على مركز التأهيل الوحيد العامل، محذرًا من أن استمرار هذا الوضع يهدد بفقدان المصابين فرصهم في التعافي.
ووفق منظمة الصحة العالمية، قُدّرت حالات بتر الأطراف في غزة خلال العام الأول من الحرب بما بين 3,105 و4,050 حالة، ضمن إصابات وصفت بأنها "مغيّرة للحياة"، تشمل أيضًا إصابات الدماغ والنخاع الشوكي والحروق الشديدة.
وفي أحدث إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، نشرت خلال تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، جرى تسجيل نحو 6 آلاف حالة بتر خلال عامين من الحرب، مع تأكيد الحاجة إلى برامج تأهيل عاجلة وطويلة الأمد في ظل نقص شديد في الأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي والخدمات المساندة.
وفي السياق ذاته، كشف الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في بيان صدر بتاريخ 3 كانون الأول/ديسمبر 2025 أن خدمات التأهيل في قطاع غزة تراجعت بنسبة 62% نتيجة الدمار الواسع ونقص المعدات، مؤكدًا عدم وجود مراكز تأهيل تعمل بكامل طاقتها في القطاع.
وتحذر تقارير طواقم طبية من أن أزمة البتر لا تتوقف عند العمليات الجراحية، بل تمتد إلى مرحلة ما بعد البتر، حيث يواجه المصابون صعوبات كبيرة في الحصول على أطراف صناعية وعلاج طبيعي منتظم؛ بسبب شح المواد وقلة الكوادر المتخصصة، ما يطيل فترات الانتظار، ويؤخر استعادة القدرة على الحركة والاستقلال.
ويؤكد الطاقم الطبي في مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني أن استمرار خرق جيش الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار، بالتوازي مع الحصار وإغلاق المعابر، ينذر بمضاعفات صحية وإنسانية خطيرة، خصوصًا بين الأطفال، ما لم يُوفَّر دعماً دولياً عاجلاً لتوسيع خدمات التأهيل وإدخال المعدات والأطراف الصناعية وإنقاذ ما تبقى من المنظومة الصحية في قطاع غزة.
