يواجه قطاع غزة أوضاعًا إنسانية بالغة الخطورة مع تزامن المنخفضات الجوية والأمطار الغزيرة مع استمرار القصف "الإسرائيلي" وعمليات النسف في مناطق متفرقة من القطاع، ما فاقم معاناة مئات آلاف النازحين الذين يعيشون في خيام متهالكة ومناطق تفتقر لأدنى مقومات الحماية.
393 شهيداً خلال التهدئة
وقالت وزارة الصحة في آخر تحديث صادر عنها إن شهيدين اثنين وستة جرحى وصلوا إلى المستشفيات في قطاع غزة خلال الـ 24 ساعة الماضية، ليرتفع عدد الضحايا منذ بدء وقف إطلاق النار في 11 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 393 شهيداً و1074 جريحاً، كما تم انتشال 634 شهيداً من تحت الأنقاض نتيجة مجازر سابقة خلال العامين الماضيين.
وبذلك أعلنت وزارة الصحة ارتفاع عدد ضحايا حرب الإبادة "الإسرائيلية" الموثّق إلى 70 ألفاً و667 شهيداً و171 ألفاً و151 جريحاً بالإضافة إلى آلاف المفقودين.
وشنّ جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، اليوم الثلاثاء 16 كانون الأول/ ديسمبر، غارات جوية وقصفًا مدفعيًا مكثفًا استهدف المناطق الشرقية من قطاع غزة، شمل شرقي جباليا، حيث أُلقيت قنابل مضيئة بالتزامن مع القصف المدفعي.
وجنوبي القطاع، استهدف الجيش "الإسرائيلي" المناطق الشرقية في مدينتي رفح وخان يونس، إلى جانب تنفيذ عمليات نسف واسعة لمبانٍ سكنية مدنية في رفح.
كما تعرّضت المنطقة الجنوبية من الشارع الإقليمي جنوب غربي خان يونس لقصف مدفعي متزامن مع إطلاق نار كثيف من آليات الجيش "الإسرائيلي"، ووسط القطاع استهدفت المدفعية "الإسرائيلية" مناطق شرقي مخيم البريج للاجئين.
ضحايا المنخفض الجوي
وبالتوازي مع التصعيد العسكري، ضرب منخفض جوي جديد القطاع، ما أدى إلى غرق مساحات واسعة من الأحياء والشوارع، أبرزها منطقة الجندي المجهول غرب مدينة غزة، فيما انهار منزل في حي الشيخ رضوان نتيجة الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة.
وأغرقت الأمطار الغزيرة آلاف خيام النازحين في مختلف مناطق القطاع، لا سيما في مخيم الشاطئ غرب غزة، حيث غمرت المياه الشوارع والخيام، وفاقمت من معاناة العائلات التي تعيش أوضاعًا قاسية في ظل الدمار الواسع للبنية التحتية.
وأفاد الدفاع المدني بأن طواقمه، بالتعاون مع طواقم الخدمات الطبية، تمكنت من إنقاذ عدد من المصابين جراء انهيار منزل في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة.
وفي بيان لاحق قال الدفاع المدني: إن طواقمه تمكنت من انتشال جثمان فلسطيني كان مفقوداً من تحت أنقاض منزل عائلة الحصري، الذي تعرض لانهيار جزئي صباح اليوم في المخيم.
وبحسب وكالة الأناضول تسبب المنخفض الجوي بتسرّب مياه الأمطار إلى أقسام في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، وخاصة قسم الاستقبال والطوارئ، ما أدى إلى تعطيل العمل جزئيًا في المستشفى الأكبر في القطاع، في وقت يعاني فيه النظام الصحي من انهيار شبه كامل.
وفي تطور آخر، أعلن الدفاع المدني الفلسطيني عن انهيار منزل بالقرب من مفترق حميد غربي مدينة غزة، مشيرًا إلى أن طواقمه هرعت إلى المكان وشرعت في أعمال الإنقاذ والبحث عن العالقين تحت الأنقاض، وسط صعوبات كبيرة ناجمة عن حجم الدمار ونقص الإمكانيات.
وحذّر الدفاع المدني من تداعيات خطيرة للمنخفض الجوي الحالي، مؤكدًا أن الانهيار شبه الكامل للمنظومة الخدمية بعد العدوان يحدّ من القدرة على الاستجابة للحالات الطارئة.
وقال المتحدث باسم الجهاز، محمود بصل: إن "نقص المعدات الثقيلة والمضخات والوقود يعيق عمليات الإنقاذ وسحب المياه" محذرًا من أن الرياح القوية والأمطار الغزيرة تهدد بانهيار الخيام والمباني المتضررة.
وأشار الدفاع المدني إلى أن آلاف العائلات تقيم في مناطق منخفضة ومكشوفة دون أي وسائل حماية، داعيًا المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية إلى التحرك الفوري لتوفير الإيواء الآمن ومستلزمات الطوارئ.
غياب المأوى الآمن ووسائل التدفئة
من جهته، وصف رئيس اتحاد بلديات غزة، يحيى السراج، الوضع في القطاع بأنه يرقى إلى مخاطر جسيمة مع دخول المنخفض الجوي، محذرًا من انهيار المباني المتضررة التي تؤوي نازحين قسرًا، وما يشكله ذلك من تهديد مباشر لحياة المدنيين، خصوصًا في المناطق المنخفضة والمكتظة بالسكان.
وأضاف السراج أن قطاع غزة لم يتعافَ بعد من آثار العدوان، وأن المنخفض الحالي يضاعف المخاطر على مئات آلاف النازحين، في ظل غياب المأوى الآمن ووسائل التدفئة.
بدوره، قال رئيس بلدية دير البلح: إن القطاع بات بحاجة ماسة إلى بدائل حقيقية عن الخيام، لحماية السكان من الظروف الجوية القاسية، محذرًا من أن البيوت الآيلة للسقوط نتيجة القصف تشكل خطرًا دائمًا على حياة السكان، خاصة خلال فصل الشتاء.
ومنذ الأسبوع الماضي، تسببت المنخفضات الجوية المتتالية في غرق وانهيار عشرات آلاف الخيام، وانهيار عدد من المباني السكنية، ما أسفر عن استشهاد 14 شخصا، بينهم أطفال، معظمهم قضوا بسبب البرد القارس.
في هذ السياق أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، الثلاثاء، عن استشهاد الطفل الرضيع محمد خليل أبو الخير، البالغ من العمر أسبوعين، نتيجة انخفاض حاد في درجة حرارة الجسم بسبب البرد الشديد، حيث كان قد نقل إلى المستشفى قبل يومين وأُدخل العناية المركزة، قبل أن يُعلن عن وفاته يوم أمس.
و حذّر المتحدث باسم منظمة اليونيسيف في فلسطين، جوناثان كريكس، من انتشار الأمراض بين الأطفال في قطاع غزة، نتيجة الظروف الجوية الباردة والماطرة، مؤكدًا أن حجم الاحتياجات الإنسانية هائل ولا يتناسب مع المساعدات المتوفرة.
كما جددت وكالة "أونروا" تحذيرها من التدهور المتسارع للأوضاع الإنسانية في القطاع، بسبب قلة المساعدات الإغاثية ومستلزمات الإيواء التي تسمح "إسرائيل" بإدخالها.
وقال المستشار الإعلامي للأونروا، عدنان أبو حسنة: "إن نحو مليوني فلسطيني يتكدسون في مساحة لا تتجاوز 80 كيلومترًا مربعًا، في وقت تحتل إسرائيل قرابة نصف القطاع، بينما تنتشر كميات هائلة من الركام في المساحات المتبقية، ما يهيئ بيئة خصبة لانتشار الأمراض والأوبئة".
