تختزن الأزقة الضيقة في مخيم نهر البارد شمالي لبنان ذاكرته المثقلة بالجراح، فيما تطفو على السطح أزمة جديدة لا تقل قسوة عمّا سبقها، تضغط على صدور الأهالي، وتهدّد استقرارهم المعيشي في واحد من أصعب الفصول الاقتصادية التي يشهدها المخيم.
الإيجارات، التي شكّلت يومًا ما ملاذًا للفقراء وأصحاب الدخل المحدود، تحوّلت اليوم إلى عبء ثقيل يلاحق العائلات في منازلها وأصحاب المحال في مصادر أرزاقهم، في ظل عجز متزايد عن تأمين أبسط مقومات الحياة. وبات السكن وتكاليفه حديث كل جلسة داخل المخيم، في ظل غياب أي حلول ملموسة تخفف حدّة الأزمة، أو تضبط الارتفاعات المتسارعة.
ومن قلب هذا المشهد القاتم، ترتفع أصوات نشطاء ومستأجرين وأعضاء في اللجنة الشعبية، كاشفة حجم المعاناة ومطلِقة نداءات تحذير من أزمة تتسع رقعتها، وتهدّد أحد أبسط الحقوق الإنسانية: السكن الآمن.
بين الدخل المحدود وارتفاع الإيجارات… معاناة يومية
يقول إياد عمر، أحد أبناء مخيم نهر البارد، لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، إن الأهالي يعيشون واقعًا اقتصاديًا بالغ الصعوبة في ظل الارتفاع الكبير في بدلات الإيجار داخل المخيم، موضحًا: "نحن نعيش اليوم واقعًا اقتصاديًا صعبًا للغاية، فقد ارتفعت الإيجارات بشكل ملحوظ ولم تعد تتناسب مع دخل العائلات".
ويضيف: "نحن لا نطالب بما هو فوق المعقول، بل نرجو من أصحاب المنازل أن يراعوا أوضاع المستأجرين، ويتحلّوا بالرحمة والإنسانية. الأوضاع الاقتصادية صعبة على الجميع، وأي زيادة في الإيجار تُثقل كاهل العائلات الضعيفة".
ويختم حديثه بالتأكيد على أن المرحلة تتطلب تضامنًا حقيقيًا بين أبناء المخيم، قائلًا: "الوقوف إلى جانب بعضنا هو السبيل الوحيد للتخفيف من هذه الأزمات، ولمنع السكن من أن يصبح حلمًا بعيدًا عن متناول الكثيرين".
نداء إلى أصحاب العقارات: ارحموا من في الأرض
من جهته، تحدّث الناشط الشبابي زياد حامد عن تفاقم أزمة الإيجارات في مخيم نهر البارد، سواء للمنازل أو المحال التجارية، معتبرًا أن الوضع تجاوز حدود الاحتمال. وقال لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "المطلوب اليوم هو الرحمة. نحن أبناء مخيم لا تتجاوز مساحته كيلومترين مربعين، ومع ذلك نشهد غلاء إيجارات غير مسبوق".
وأوضح أن الواقع تغيّر بعد مغادرة النازحين الذين لجأوا إلى المخيم خلال الحرب على لبنان، مشيرًا إلى أن الإيجارات كانت سابقًا تتراوح بين 20 و30 و40 دولارًا، قبل أن تقفز اليوم إلى أرقام صادمة، مضيفًا: "اليوم نفاجأ بأن الإيجارات تصل إلى 100 دولار للمنازل و200 دولار للمحال، وهذا أمر لا يقبله عقل ولا منطق".
وأشار إلى أن الأزمة الاقتصادية العامة تزيد من حدّة المعاناة، وقال: "الاقتصاد منهار، والفرص قليلة، والتقليصات مستمرة، فيما تغيب منظمة التحرير، أو ممثل الشعب الفلسطيني، إلى حدّ كبير عن وجع الناس اليومي".
وختم بنداء إنساني مباشر: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. هذا نداء نرفعه من قلب المخيم، علّنا نجد آذانًا صاغية تخفف عن أهلنا ما استطاعت".
شكاوى بالجملة وارتفاعات تصل إلى 100%
بدوره، أكّد أمين سر اللجنة الشعبية الدورية في مخيم نهر البارد، أبو صالح موعد، لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، أن المخيم يشهد ارتفاعًا حادًا في بدلات الإيجار، سواء للمحال التجارية أو البيوت السكنية، معتبرًا أن ما يجري أثقل كاهل الأهالي بشكل غير مسبوق.
وقال: "في الفترة الأخيرة بدأ عدد كبير من أصحاب العقارات برفع الإيجارات بشكل كبير، حيث تضاعفت في بعض الحالات بنسبة تراوحت بين 50% و100%. المستأجر الذي كان يدفع 50 دولارًا بات يدفع 100، ومن كان يدفع 100 أصبح مطالبًا بـ150 أو 200 دولار".
وأوضح أن هذه الزيادات أدّت إلى تزايد الشكاوى الواردة إلى اللجنة الشعبية، مضيفًا: "تلقّينا شكاوى متتالية من مستأجرين لم يعودوا قادرين على تحمّل هذا العبء".
وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي كان متدهورًا أصلًا قبل موجة الارتفاع الأخيرة، لافتًا إلى أن عددًا من أصحاب المحال اضطروا إلى إغلاق محلاتهم والبحث عن بدائل، وهو ما ينذر بتداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة داخل المخيم.
ولفت إلى أن اللجنة الشعبية أصدرت بيانًا تضامنيًا مع المستأجرين، داعية أصحاب العقارات إلى التحلّي بالضمير، موضحًا:"لا حلّ لهذه الأزمة إلا بضمائر المؤجّرين أنفسهم. قضيتنا واحدة ومصيرنا واحد، والمطلوب اليوم هو التضامن والتكاتف، لا تعميق الجراح".
أزمة مفتوحة على المجهول
تمثّل أزمة ارتفاع الإيجارات في مخيم نهر البارد تحديًا حقيقيًا للسكان، الذين يرزحون أصلًا تحت وطأة ضعف الدخل وغياب الاستقرار الاقتصادي. وتعكس الشهادات المتعددة حجم القلق المتزايد، وضرورة التحلّي بالرحمة والتكاتف المجتمعي، في انتظار أي تجاوب فعلي من أصحاب العقارات والجهات المعنية يخفف من حدّة الأزمة، ويحفظ كرامة السكان، ويؤمّن الحد الأدنى من الاستقرار المعيشي داخل المخيم.
شاهد/ي التقرير
