لبنان - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
زينب زيّون
الواقع المرير الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون داخل مخيّمات لبنان، والذي تزداد حدّته يوماً بعد يوم، ولّد حاجات كبيرة لدى اللاجئين لاستثمار طاقاتهم كاملة، بغية تأمين متطلبّات العيش الاقتصاديّة الكبيرة. من هنا تصدّت المرأة الفلسطينية اللاجئة لواجباتها جنباً إلى جنب مع الرجل، بعد أن كانت معه طوال رحلة الكفاح الفلسطيني في خنادق المقاومة وسواها.
اقتحمت النساء اللاجئات سوق العمل، لمشاركة الرجل الكفاح المعيشي، فخلقن مياديناً للعمل، تغلّبن فيها على التهميش القانوني للفلسطيني في سوق العمل اللبنانيّة، سواء كان رجلٌ أم إمرأة. نساءٌ عملنَ في التطريز والخياطة، وثمّة أخريات اتّجهنَ نحو مشروع "إكسبرس" أو المطبخ الفلسطيني، أضاءت "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" على تجاربهّن.
تمثل اللاجئة الفلسطينية لُبنى حمادة، من مخيّم عين الحلوة، نموذجاً للمرأة الكادحة، إذ اضطرها وفاة زوجها، للنزول إلى سوق العمل، بُغية تأمين قوت عائلتها بعيداً عن ذلِّ السؤال.
ففي حديث لموقع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، قالت حمادة: "كنتُ أعمل سابقاً، في إحدى المؤسسات، أكثر من ٩٠ ساعة أسبوعياً، وبعدما تقدّم بي العمر لم أعد أرغب في العمل خارج منزلي، فاقترحت عليّ ابنتي فكرة فتح كُشك صغير لبيع الفلافل داخل المخيّم، وها هي الفكرة قد نُفذت".
تقف حمادة داخل كُشكها القريب من المدارس، إلى جانب مقلى الزيت، تُقلّب أقراص الفلافل، وتُعدّ للزبائن الساندويشات الشهيّة، تحشوها بأقراص الفلافل والخضروات وصوص الطحينة، وبكل تقدمها إليهم بمحبّة يكتمل فيها مذاق ما تصنعه.
أميرة الدنان واحدة من أولئك النسوة اللواتي حاولن البحث عن فرصة عمل لإثبات أنفسهنّ، ولإعالة أسرهنّ ومساعدة الزوج في تأمين المصاريف وتوفير كافة احتياجات المنزل والأولاد.
"المصروف كبير"، بهذه العبارة بدأت أميرة حديثها عن الوضع الإقتصادي الصعب الذي يتربّص بعائلتها، المكوّنة من سبعة أشخاص. فالعمل، برأيها، يُساهم في تحسين مستوى المعيشة ويخلق حالة من الاستقرار. تروي أميرة قصّتها، والإبتسامة بالكاد ترتسم على وجهها: "لم يُقدَّر لي متابعة تعليمي، لأنّ الوضع المعيشي للعائلة كان صعباً، تزوّجت عن عمر صغير، 13 سنة، وصرت أماً لخمسة أولاد. وبعدما كبر الأولاد، وجدت نفسي أشعر بفراغ كبير، ولمست الحاجة إلى العمل، حتى أساهم في مساعدة زوجي وتأمين المصاريف الخاصة بعائلتنا، وبعد بحثٍ مطوّل، ها أنا أعمل في مكتب إعلامي بمدينة صيدا، أقدّم القهوة والشاي لزواره والموظفين فيه".
لعبت الجمعيات النسائية الأهلية الفلسطينية، دوراً بارزاً في إطار تعليم النساء حرفاً أو مهناً كالأشغال اليدوية والتطريز، وكثير ما نظمّت المحاضرات والندوات لتوعية المرأة على دورها الوطني في الدفاع عن قضيتها وتربية أولادها على حب فلسطين، والتمسك بالعودة إليها، فتساعدها على زيادة مدخول أسرتها الشهري من جهة، وعلى نشر ثقافة فلسطين وتراثها من جهة أخرى.
صبحية كريّم، لاجئة في مخيّم عين الحلوة، سعت إلى تعلّم مهنة التطريز بُغية مساعدة زوجها بإعالة العائلة المكوّنة من 11 شخصاً. قالت لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "كانت الأوضاع المادية للأسرة سيّئة للغاية، ولطالما أردت العمل حتى أتمكن من المساهمة في تأمين احتياجات المنزل، لكنّ زوجي لم يكن يسمح لي بالخروج من المنزل لمزاولة عمل دائم، لذا كنتُ أدعو الجارات إلى بيتي للتسلية. وخلال هذه الجلسات، تعلمت منهنّ التطريز، وأردت العمل معهن. ففي الفترة الأولى، كنّ يحضرن لوازم التطريز إلى بيتي للعمل، فكان التطريز يدر عليّ دخلاً جيّداً، الأمر الذي ساعدني في التغلب على الظروف المادية الصعبة".
بعدما كبر أولادها، قررت صبحيّة العمل مع عدد من المؤسسات النسائية، فكانت تجربتها الأولى في مشروع تطريز داخل مخيّم عين الحلوة، ثمّ صارت تتعاون مع جمعيات عدّة تعنى بالتراث، كما شاركت بمعارض عديدة لتسويق ما طرزته. اليوم، توسّع نطاق عملها، حيث صارت تعمل مع مجموعة نساء في المخيّم، وهن ستّة.
"أشعر اليوم بأنّني امرأة فاعلة في مجتمعي"، كلمات رددتها صبحية، مشيرة إلى أنّ فنّ التطريز استطاع انتشال عدداً كبيراً من العائلات، من مستنقع الفقر والحرمان، بالإضافة إلى تعليم المرأة الفلسطينية كيفية المحافظة على تراث فلسطين، عبر الفن، وتعليمه للفتيات".
شغلت المرأة الفلسطينية، في الشتات، أدواراً مهمة وبارزة، حيث أثبتت نفسها في كافة مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية.
وإن كان الحظّ قد حالف نهى عودة، فهو لم يحالف الكثيرات غيرها اللواتي أرَدْنَ إثبات أنفسهنّ في المجتمع.
رسمت نهى مرارة واقع اللاجئة، التي تسعى جاهدة للحصول على حقوقها، في ظلّ الحياة القاسية الناتجة عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة. تخرّجت نهى، عام 2004، من جامعة ( AUL ) فرع جدرا، عملت لعدة سنوات في المدرسة الكندية ببلدة الرميلة، معلمة لمادتي الرياضيات واللغة الأجنبية. ورغم الظروف الصعبة التي تحيط بالمرأة العربية عموماً، والفلسطينية خصوصاً، إلا أنّ نهى استطاعت التغلّب على كافة المعوقات التي اعترضت طريقها، لتثبت نفسها بالمجتمع، ولتثبت أنّ اللاجئة تستطيع التغلّب على القيود.
أصدرت نهى كتابها الأوّل، تحت عنوان "نثرات روح"، بعد اكتشافها أنّ الكتابة تُشاطر الإنسان وجعه وفرحه. تقول نهى "نكتب لأجلنا ولغيرنا ولكل من أثّر ولو شيئاً بسيطاً في حياتنا". وبرسالة صغيرة، خاطبت نهى كل لاجئة، قائلةً "إلى كلّ امرأة لاجئة، أنتِ تستطيعين إثبات ذاتكِ رغم الصعاب، نحن شعب توارث القوة، العزم والإرادة لتحقيق ما يُحب ويرغب به، ربما هي تركيبتنا البيولوجية التي توارثناها من دمنا الأبي الذي لا يقهر ولا يذل، فبالإصرار نستطيع فعل المستحيل".
"يتوجب علينا، كلاجئات في لبنان، أن نرفع الصوت لنطالب بحقوقنا"، عبارة ختمت بها نهى حديثها، مشيرة إلى أنّ اللاجئ في لبنان محروم من أبسط حقوقه المدنية والاجتماعية وحتى الإنسانية. مؤكّدة على أنّ "تحقيق الحقوق يكمن في عودة اللاجئين إلى أرض فلسطين، ونيل الحقوق الوطنية أوّلاً"، ففي نظرها "لا معنى للحقوق والمساواة تحت حراب الاحتلال".