اسطنبول – تركيا
 

تعيش اليوم الطفلة الفلسطينية ابنة مخيّم اليرموك "ملك سعيد الشيخ خالد" ذات الستّ سنوات، في مدينة اسطنبول التركية مع عائلتها، فاقدةً القدرة على الكلام والمشي، جرّاء ولادتها في زمن حصار المخيّم بمرض نادر، وتأخرُ تشخيصِ حالتها وعلاجها بسبب الحصار وواقع التهجير الاستثنائي الذي عاشته عائلتها خلال السنوات السابقة.

ملك اليوم مهددة بترحيل والدها عنها، وهو المعيل الوحيد لأسرته الصغيرة المكّونة من زوجته وطفلتيه، إضافة إلى عائلته الكبيرة، والده ووالدته وأشقاؤه، جميعهم يعيشون في منزل فقير مُستأجر يضم 7 أفراد، تحاوط حياتهم مخاوف مشتركة، مصدرها شبح واحد بات يؤرّق حياة العديد من اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا إلى تركيّا، وهو " الكملك" المفقود، أي بطاقة الحماية المؤقتة التي تشرعن وجود اللاجئين في تركيا، الذي يُحكم على فاقده في تركيا من فلسطينيي سوريا بالترحيل إلى مجاهل الشمال السوري، وهو تعبير بات يتردد على ألسنة الكثيرين منهم.
 

قصة استثنائية

ولكنّ لملك ووالدها سعيد، حكاية استثنائيّة من بين كلّ هؤلاء المهددين بهذا الحكم، الذي لا يكبح جوره، واقعهم الاستثنائي، في حال صدر على حين توقيف من قبل الشرطة، وتجنّباً لذلك، يتوخّى اللاجئ سعيد الشيخ خالد في تحركاته أعلى درجات الحيطة والحذر، ما يطبع عيشه بالقلق المستمر على طفلته المريضة، ومآلات مستقبلها الغامض في حال رُحّل بالفعل إلى الشمال السوري، وباتت  أسرته بلا معيل في بلاد لا ينظر في حال المهجّرين فيها من فلسطينيي سوريا لا قريب ولا غريب.
 

مولودة في زمن الحصار

حكاية، سرد تفاصيلَها الأب سعيد الشيخ خالد لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" ومبتدؤها في مخيّم اليرموك، حيث ولدت ملك مع مرضها تحت الحصار الخانق، الذي زاد من قساوته، إذلال فرضه المتحكمّون في وقائع ذلك الزمن، حيث كثرت الحواجز بين الناس وطعامها وعلاجها.

ولدت ملك قبل ستّ سنوات تحت الحصار، لتظهر علامات مرضها بعد فترة من ولادتها، وبدأت رحلة الأب الشاقّة في محاولات علاجها، في منطقة شحّت فيها المستشفيات والعيادات والأدويّة، ولم يكن بوسعه سوى انتظار ما كان ينتظره المُحاصرون في اليرموك حينها، وهو مواعيد فتح حاجز بلدة ببيلا، الذي كان المنفذ الوحيد لأبناء اليرموك ومناطق جنوب دمشق المُحاصرة باتجاه مناطق العاصمة دمشق.

"محاولات حثيثة وواسطات واذلال  من أجل الحصول على  تصريح عبور باتجاه دمشق، لتنال ملك جلسة علاج بإحدى مستشفيات العاصمة" يقول سعيد، فضلاً عن المعاناة في تأمين الدواء، ما أخّر علاج ملك وجعل حالها أكثر سوءاً، الأمر الذي دفعه وأسرته لركوب باصات التهجير إلى الشمال السوري الذي فُرض قسريّاً على الكثير من اللاجئين في أيّار/ مايو 2018، نتيجة التسوية بين المعارضة السورية المسلّحة من جهة والنظام السوري من الجهة الثانية، على أمل أن يجد لابنته هناك واقعاً معيشيّاً وعلاجيّاً أفضل.
 

 الشمال القاسي

في الشمال السوري، تحطّمت آمال سعيد نهائيّاً، بمجرّد الوصول إلى ما وصفها " خيم بيضاء منصوبة في وادي" جرى رمي اللاجئين المهجّرين فيها، في حياة أشبه بحياة البراري التي تخلو من أيّ صلاحيّة للعيش البشري، و خيم لا تصلح لإيواء البشر وواقع مناخي وبيئي قاسٍ، وسط الأفاعي والحشرات، بمشهديّة لا يتخيّلها عقل" وفق تعبيره.

 اضطرّ سعيد وأسرته وطفلته ملك، تحمّل العيش فيها لمدّة شهر ونصف الشهر حتّى قرر خوض مغامرة جديدة في سبيل توفير العلاج لابنته وحياة أفضل.

عند معبر باب الهوى الحدودي بين سوريا وتركيّا شمالاً، تمكّن سعيد من الوصول حاملاً ابنته ملك وبرفقة زوجته، وهناك استطاع  تحصيل تصريح دخول لابنته إلى مستشفى في ولاية هاتاي التركيّة، مشروطاً بأن ترافقها أمّها فقط، حيث أمضت هناك الطفلة شهراً ونصف الشهر، ولم تحرز حالتها أيّ تقدّم علاجي، فالمرض كان قد تمكّن من جسدها لتأخر علاجه خلال سنوات الحصار.
 

طريق التهريب.. الملاذ الوحيد

وفي أثناء وجود الابنة وأمّها في هاتاي، تمكّن الوالد سعيد الشيخ خالد من اللحاق بهما عن طريق أحد مسالك التهريب، فالسلطات التركيّة لا تمنح اللاجئين الفلسطينيين في سوريا تصريحاً رسميّاً للدخول، ولم يجد سعيد سوى هذا الحل لجمع شمل العائلة، وتجنيبها الإعادة إليه في الشمال السوري، ليتمكّن فعليّاً من جمع شمل أسرته في اسطنبول، التي يعيش فيها اليوم بلا إقامة قانونية " كملك" بسبب دخوله غير الشرعي.
 

"الكملك" .. حلم اللاجئين الفلسطينيين في اسطنبول

مئات اللاجئين الفلسطينيين في تركيّا، مهددون بالترحيل لعدم امتلاكهم "الكملك"، ويعيشون اليوم حياةً بلا أيّ حقوق، وأهمّها الاستشفاء والتعليم، فسعيد اليوم غير قادر على علاج نفسه أو شقيقه أو والده، في حال احتاج أحدهم الدخول إلى مستشفى، كما يعيش شقيقه البالغ من العمر 12 عاماً بلا تعليم، بينما ابنته التي نال الحصار والتهجير من جسدها، وأفقدها القدرة على المشي والكلام، ورغم منحها مع والدتها "كملك" فهي مهددة بترحيل والدها ومعيلها الوحيد، فالعائلة بأكملها تعيش مخاوف تنفيذ حكم الإعدام ترحيلاً في حال رحّل الأب، وهو الحكم الذي لا ترحم في تنفيذه السلطات التركيّة، حتى لو كان الاستثناء في هذه الحالة، الطفلة المريضة ملك.

 

شاهد الفيديو
 

 

 

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد