اعتصم عشرات الفلسطينيين في لبنان، إلى جانب فلسطينيين مهجّرين من سوريا، صباح اليوم الخميس 18 كانون الأول/ديسمبر، أمام مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في العاصمة اللبنانية بيروت، احتجاجًا على تدهور الأوضاع المعيشية والصحية والتعليمية، وسياسات التقليص التي تنتهجها الوكالة، وفق ما أكده المشاركون.

ودقّ المعتصمون ناقوس الخطر حيال واقع الفلسطينيين، على ضوء أرقام تحدثت بها لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، نقلًا عن تقرير حول الأمن الغذائي، في ظل تفاقم غير مسبوق للانهيار المعيشي، وارتفاع الأسعار، وضعف الدخل، وغياب شبكات الحماية الاجتماعية، إلى جانب التقليصات المستمرة في المساعدات الإنسانية.

40% انعدام حاد للأمن الغذائي

واستندت اللجنة إلى تقرير التحليل المشترك لانعدام الأمن الغذائي (IPC) للفترة 2024–2025، الذي أظهر أن نحو 40% من الفلسطينيين في لبنان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد المصنّف في المرحلة الثالثة (مستوى الأزمة) أو ما هو أسوأ، فيما تشير المسوحات السكانية والاقتصادية إلى أن 61% من الفلسطينيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بدرجات متفاوتة، مع عجز أعداد كبيرة من الأسر عن تأمين احتياجاتها الغذائية الأساسية.

وأضافت اللجنة أن تقارير الأمم المتحدة، ولا سيما تقارير اليونيسف، تؤكد أن قرابة 90% من الفلسطينيين في المخيمات يعيشون تحت خط الفقر، وأن 62% من الأسر قلّصت عدد وجباتها اليومية، فيما خفّضت 53% من الأسر كمية الطعام بسبب صعوبات المعيشة.

وعلى الصعيد الصحي، أوضحت اللجنة أن نحو 95% من الفلسطينيين لا يملكون أي تأمين صحي، ويعتمدون بشكل شبه كامل على خدمات "أونروا" في الرعاية الصحية الأولية، التي تعاني بدورها من نقص التمويل، ومحدودية التخصصات الطبية، ونقص الأدوية. ولفتت إلى الارتفاع الكبير في عدد الاستشارات الطبية في عيادات "أونروا"، حيث بلغ 584,199 استشارة عام 2021 مقارنة بـ184,246 استشارة عام 2020.

كما أشارت إلى الانتشار الواسع للأمراض المزمنة والنفسية، ولا سيما داء السكري وارتفاع ضغط الدم والاضطرابات النفسية، في ظل معاناة قطاع الاستشفاء من تغطية جزئية وسقوف مالية منخفضة، خصوصًا لمرضى السرطان، ما يفرض أعباء مالية ثقيلة على الفلسطينيين ويهدد حياتهم.

وأكدت اللجنة في كلمتها أن الاعتصامات والوقفات السلمية أمام مراكز "أونروا" تمثل حقًا مشروعًا في التعبير عن المطالب الحقوقية والإنسانية، ولا يجوز تجريمها أو التشكيك في أهدافها، كونها نابعة من معاناة حقيقية وموثقة.

وطرحت لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين جملة مطالب، أبرزها: وقف سياسات التقليص في الخدمات الإغاثية والصحية، تعزيز المساعدات الغذائية وتوسيع قاعدة المستفيدين، رفع سقوف التغطية الاستشفائية، ولا سيما لمرضى الأمراض المزمنة والسرطانية، تأمين الأدوية الأساسية والمزمنة بشكل منتظم، زيادة التمويل الدولي المخصص للفلسطينيين في لبنان، إشراك ممثلي الفلسطينيين والمؤسسات الأهلية في القرارات المتعلقة بالخدمات، واعتماد الشفافية في إدارة الموارد وتحديد أولويات الصرف.

بيدوت اعتصام.jpg
 

من جهتها، ألقت إحدى المشاركات كلمة شددت فيها على أن الفلسطينيين المهجّرين من سوريا إلى لبنان يعيشون تحت خط الفقر، مطالبة إدارة "أونروا" بإعطاء كل فلسطيني حقه المشروع، سواء كان من لبنان، أو من سوريا، باعتبار أن الشعب الفلسطيني شعب واحد.

وأكدت أن الاعتصام سلمي، ويهدف إلى المطالبة بالحقوق الأساسية، من إيجارات المساكن، والرعاية الصحية، ودفع اشتراكات الكهرباء، وتأمين المستلزمات المعيشية، مشددة على الاستمرار في التحركات حتى تحقيق هذه المطالب.

بدورها، أكدت الحاجة ليلى النورسي في كلمتها أن المعتصمين جاؤوا لرفع صوتهم في وجه الظلم والمطالبة بحقوقهم وحقوق أطفالهم، داعية إلى تقديم مساعدات عاجلة للأطفال المهجّرين من سوريا، واستكمال إصلاح مخيم نهر البارد، وترميم المدارس المتضررة للتخفيف من الاكتظاظ الذي يهدد مستقبل الجيل الصاعد.

وطالبت النورسي بإعادة مساعدة الخمسين دولارًا للمستفيدين من شبكة الأمان بشكل شهري، وإعادة المساعدة للأطفال دون سن 18 عامًا وزيادتها لتصبح شهرية بدل كل ثلاثة أشهر، إضافة إلى تغطية علاج مرضى السرطان والأمراض المزمنة بنسبة 100%، وإعادة إعمار البيوت الآيلة للسقوط في المخيمات.

وفي كلمة ألقاها باسم "المؤسسات الأهلية" خلال الاعتصام السلمي، قال علي هويدي مدير عام"الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين": إن هذا التحرك يأتي لتوجيه أكثر من رسالة، وفي مقدمتها التأكيد على التمسك بـ"أونروا" لما تمثله من ارتباط سياسي وقانوني وإنساني بقضية الفلسطينيين، وكونها شاهدًا دوليًا حيًا على جريمة النكبة وركنًا أساسيًا من معركة العودة، مشددًا على أنه "إذا كنا نختلف مع الأونروا فلا نختلف عليها"، مع التأكيد على مبدأ المحاسبة وعدم وجود حصانة لأي مسؤول عند الضرورة.

واستنكر هويدي محاولات كيان الاحتلال استهداف "أونروا"، وسنّ القوانين التي تمنع عملها في قطاع غزة والضفة الغربية، واقتحام مقرها في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، وفرض شروط تمس جوهر عمل الوكالة ووجود المخيمات، محذرًا من مخاطر تصفية الوكالة وتحويلها إلى مجرد خدمات بديلة.

ووجّه هويدي رسالة إلى المجتمع الدولي، معتبرًا أنه "عار" استمرار عمل "أونروا" منذ 76 عامًا دون الضغط على كيان الاحتلال لتطبيق القرار 194 الخاص بحق العودة والتعويض، كما حيّا 151 دولة صوتت لصالح تمديد عمل الوكالة، داعيًا إلى ترجمة الدعم السياسي إلى التزامات مالية فعلية.

كما شكر إيطاليا على مساهمتها المالية المخصصة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وترميم مدرسة تابعة للوكالة، معتبرًا أن ذلك يؤكد إمكانية تأمين تمويل حقيقي إذا توفرت الإرادة، منتقدًا التمييز في المساعدات، ولا سيما ما يتعلق بشبكة الأمان الاجتماعي.

وحذّر هويدي من محاولات بعض المنظمات غير الحكومية لعب دور بديل عن "أونروا" بالتنسيق مع إدارتها، معتبرًا أن ذلك يخدم تفكيك الوكالة، ومتوعدًا بمقاطعة أي جهة يثبت تورطها في هذا المسار.

وختم بالتأكيد أن غضب الفلسطينيين واعتصاماتهم السلمية ليست نتيجة تحريض أو جهل سياسي، بل نتاج تراكم إخفاقات إدارية وغياب الشفافية والشراكة الحقيقية، مشددًا على أن "أونروا" أكبر من أي موظف، وأن إصلاح إدارتها واجب وطني، وأن تصفيتها خسارة وطنية كبرى.

ويأتي هذا الاعتصام في سياق سلسلة تحركات واحتجاجات مطلبية مماثلة تشهدها مخيمات وتجمعات الفلسطينيين في لبنان خلال الفترة الأخيرة، رفضًا لسياسات التقليص والمطالبة بتحسين خدمات "أونروا".

600341892_1247940177148011_359330434907583826_n.jpg

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد